" صفحة رقم ٢٢٢ "
تشعرون ( لأن المنتقل من سيّىء إلى أسوأ لا يشعر بأنه آخذ في التملّي من السوء بحكم التعوّد بالشيء قليلاً قليلاً حتى تغمره المعاصي وربّما كان آخرها الكفر حين تضْرَى النفس بالإقدام على ذلك. ويجوز أن يراد حبط بعض الأعمال على أنه عام مراد به الخصوص فيكون المعنى حصول حطيطة في أعمالهم بغلبة عظم ذنب جهرهم له بالقول، وهذا مجمل لا يعلم مقدار الحبط إلا الله تعالى.
ففي قوله :( وأنتم لا تشعرون ( تنبيه إلى مزيد الحذر من هذه المهلكات حتى يصير ذلك دُربة حتى يصل إلى ما يحبط الأعمال، وليس عدم الشعور كائناً في إتيان الفعل المنهي عنه لأنه لو كان كذلك لكان صاحبه غير مكلف لامتناع تكليف الغافل ونحوه.
عن ابن عباس لما نزل قوله تعالى :( لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ( ( الحجرات : ٢ ) كان أبو بكر لا يكلم رسولَ الله إلا كأخي السِّرار، أي مصاحب السرِّ من الكلام، فأنزل الله تعالى :( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول اللَّه ( الآية. فهذه الجملة استئناف بياني لأن التحذير الذي في قوله :( أن تحبط أعمالكم ( ( الحجرات : ٢ ) الخ يثير في النفس أن يسأل سائل عن ضد حال الذي يرفع صوته.
وافتتاح الكلام بحرف التأكيد للاهتمام بمضمونه من الثناء عليهم وجزاء عملهم، وتفيد الجملة تعليلَ النهيين بذكر الجزاء عن ضد المنهي عنهُما وأكد هذا الاهتمام باسم الإشارة في قوله :( أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ( مع ما في اسم الإشارة من التنبيه على أن المشار إليهم جديرون بالخبر المذكور بعده لأجللِ ما ذكر من الوصف قبل اسم الإشارة.
وإذ قد علمت آنفاً أن محصل معنى قوله :( لا ترفعوا أصواتكم ( وقوله :( ولا تجهروا ( ( الحجرات : ٢ ) الأمر بخفض الصوت عند النبي ( ﷺ ) يتضح لك وجهُ العدول عن نوط