" صفحة رقم ٢٥٤ "
من الكيد والتطلع على العورات. وقد يرى المتجسس من المتجسس عليه ما يسوءه فتنشأ عنه العداوة والحقد. ويدخل صدره الحرج والتخوف بعد أن كانت ضمائره خالصة طيبة وذلك من نكد العيش.
وذلك ثلم للأخوة الإسلامية لأنه يبعث على إظهار التنكر ثم إن اطلع المتجسس عليه على تجسس الآخر ساءه فنشأ في نفسه كره له وانثلمت الأخوة ثلمة أخرى كما وصفنا في حال المتجسِّس، ثم يبعث ذلك على انتقام كليهما من أخيه.
وإذ قد اعتبر النهي عن التجسس من فروع النهي عن الظن فهو مقيد بالتجسس الذي هو إثم أو يفضي إلى الإثم، وإذا علم أنه يترتب عليه مفسدة عامة صار التجسس كبيرة. ومنه التجسس على المسلمين لمن يبتغي الضُرّ بهم.
فالمنهي عنه هو التجسس الذي لا ينجرّ منه نفع للمسلمين أو دفع ضر عنهم فلا يشمل التجسس على الأعداء ولا تجسس الشُرَط على الجناة واللصوص.
الاغتياب : افتعال من غَابه المتعدي، إذا ذَكره في غيبه بما يسوءه.
فالاغتياب ذكر أحد غائب بما لا يُحب أن يُذكَر به، والاسم منه الغِيبة بكسر الغين مثل الغِيلة. وإنما يكون ذكره بما يكره غيبه إذا لم يكن ما ذكره به مما يثلم العِرض وإلا صار قذعا.
وإنما قال :( ولا يغتب بعضكم بعضاً ( دون أن يقول : اجتنبوا الغيبة. لقصد التوطئة للتمثيل الوارد في قوله :( أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ( لأنه لما كان ذلك التمثيل مشتملاً على جانب فاعل الاغتياب ومفعولِه مُهّد له بما يدلّ على ذاتين لأن ذلك يزيد التمثيل وضوحاً.
والاستفهام في ) أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا ( تقريري لتحقق أن