" صفحة رقم ٢٧٨ "
وهذا من إيجاز الحذف وحسَّنه أن الانتقال مشعر بأهمية المنتقل إليه، أي عدِّ عما تريد تقديره من جواب وانتقِلْ إلى بيان سبب إنكارهم الذي حدا بنا إلى القَسَم كقول القائل : دَعْ ذا، وقول امرىء القيس :
فدع ذا وسَلِّ الهمَّ عنك بجسرة
ذَمُول إذَا صَام النهارُ وهجَّرا
وقول الأعشى :
فدع ذَا ولكن رُبّ أرض مُتيهة
قطعتُ بحُرْجُوج إذا الليل أظلما
وتقدم بيان نظيره عند قوله تعالى :( بل الذين كفروا في عزة وشقاق في سورة ص.
وقوله : وعجبوا ( خبر مستعمل في الإنكار إنكاراً لعجبهم البالغ حدّ الإحالة. و ) عجبوا ( حصل لهم العجَب بفتح الجيم وهو الأمر غير المألوف للشخص ) قالت يا وَيْلَتَا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لَشَيْء عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله ( ( هود : ٧٢، ٧٣ ) فإن الاستفهام في ) أتعجبين ( إنكار وإنما تنكر إحالة ذلك لا كونه موجب تعجّب. فالمعنى هنا : أنهم نفوا جواز أن يرسل الله إليهم بشراً مثلهم، قال تعالى :( وما منع الناسَ أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشراً رسولاً ( ( الإسراء : ٩٤ ).
وضمير ) عجبوا ( عائد إلى غير مذكور، فمعاده معلوم من السياق أعني افتتاح السورة بحرف التهجّي الذي قصد منه تعجيزهم عن الإتيان بمثل القرآن لأن عجزهم عن الإتيان بمثله في حال أنه مركب من حروف لغتهم يدلهم على أنه ليس بكلام بشر بل هو كلام أبدعته قدرة الله وأبلغه الله إلى رسوله ( ﷺ ) على لسان المَلك فإن المتحدَّيْن بالإعجاز مشهورون يعلمهم المسلمون وهم أيضاً يعلمون أنهم المعنيون بالتحدّي بالإعجاز. على أنه سيأتي ما يفسر الضمير بقوله :( فقال الكافرون ).
وضمير ) منهم ( عائد إلى ما عاد إليه ضمير ) عجبوا ( والمراد : أنه من نوعهم أي من بني الإنسان.


الصفحة التالية
Icon