" صفحة رقم ٢٧٩ "
و ) أن جاءهم ( مجرور ب ( من ) المحذوفة مع ) أنْ (، أي عجبوا من مجيء منذر منهم، أو عجبوا من ادعاء أن جاءهُمْ منذر منهم.
وعبر عن الرسول ( ﷺ ) بوصف ) منذر ( وهو المخبِر بشَرّ سيكون للإيماء إلى أن عَجَبهم كان ناشئاً عن صفتين في الرسول ( ﷺ ) إحداهما أنه مخبر بعذاب يكون بعد الموت، أي مخبر بما لا يصدقون بوقوعه، وإنما أنذرهم الرسول ( ﷺ ) بعذاب الآخرة بعد البعث كما قال تعالى :( إن هو إلا نذير لكم بين يديْ عذاب شديد ( ( سبأ : ٤٦ ). والثانية كونه من نوع البشر.
وفُرِّعَ على التكذيب الحاصل في نفوسهم ذِكر مقالتهم التي تفصح عنه وعن شبهتهم الباطلة بقوله :( فقال الكافرون هذا شيء عجيب ( الآية. وخص هذا بالعناية بالذكر لأنه أدخل عندهم في الاستبْعاد وأحق بالإنكار فهو الذي غرهم فأحالوا أن يرسل الله إليهم أحد من نوعهم ولذلك وصف الرسول ( ﷺ ) ابتداء بصفة ) منذر ( قبل وصفه بأنه ) منهم ( ليدل على أن ما أنذرهم به هو الباعث الأصلي لتكذيبهم إياه وأن كونه منهم إنما قوَّى الاستبعاد والتعجّب.
ثم إن ذلك يُتخلص منه إلى إبطال حجتهم وإثبات البعث وهو المقصود بقوله :( قد علِمْنا مَا تنقصُ الأرض منهم إلى قوله : كذلك الخروج ( ( ق : ٤ ١١ ). فقد حصل في ضمن هاتين الفاصلتين خصوصيات كثيرة من البلاغة : منها إيجاز الحذف، ومنها ما أفاده الإضراب من الاهتمام بأمر البعث، ومنها الإيجاز البديع الحاصل من التعبير ب ) منذر (، ومنها إقحام وصفه بأنه ) منهم ( لأن لذلك مدخلاً في تعجبهم، ومنها الإظهار في مقام الإضمار على خلاف مقتضَى الظاهر، ومنها الإجمال المعقب بالتفصيل في قوله :( هذا شيء عجيب أئذا متنا ( الخ.
وعبُر عنهم بالاسم الظاهر في ) فقال الكافرون ( دون : فقالوا، لتوسيمهم فإن هذه المقالة من آثار الكفر، وليكون فيه تفسير للضميرين السابقين.


الصفحة التالية
Icon