" صفحة رقم ٣٠٤ "
و ) عتيد ( فعيل من عتَد بمعنى هَيّأ، والتاء مبدلة من الدال الأول إذ أصله عديد، أي مُعَدّ كما في قوله تعالى :( وأعتدَتْ لهن مُتَّكأ ( ( يوسف : ٣١ ). وعندي أن ) عتيد ( هنا صفة مشبهة من قولهم ( عَتُد ) بضم التاء إذا جَسم وضَخم كناية عن كونه شديدا وبهذا يحصل اختلاف بينه وبين قوله الآتي ) هذا ما لديّ عتيد ( ( ق : ٢٣ ) ويحصل محسّن الجناس التام بين الكلمتين.
وقد تواطأ المفسرون على تفسير التلقّي في قوله :( المتلّقيان ( بأنه تلّقي الأعمال لأجل كتبها في الصحائف لإحضارها للحساب وكان تفسيراً حائماً حول جعل المفعول المحذوف لفعل ) يتلقّى ( ما دل عليه قوله بعده ) ما يلفِظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ( بدلالته الظاهرة أو بدلالة الاقتضاء. فالتقدير عندهم : إذ يتلقى المتلقيان عَمل الإنسان وقوله، فتكون هذه الجملة على تقديرهم منفصلة عن جملة ) وجاءت سكرة الموت بالحق ( ( ق : ١٩ ) كما سنبينه.
ولفخر الدين معنى دقيق فبعد أن أجمل تفسير الآية بما يساير تفسير الجمهور قال :( ويحتمل أن يقال التلقّي الاستقبال، يقال : فلان تلقى الركب، وعلى هذا الوجه يكون معناه : وقت ما يتلقاه المتلقّيان يكون عن يمينه وعن شماله قعيد، فالمتلقيان على هذا الوجه هما الملكان اللذان يأخذان روحه من مَلَك الموت أحدهما يأخذ أرواح الصالحين وينقلها إلى السرور والآخر يأخذ أرواح الطالحين وينقلها إلى الويل والثبور إلى يوم النشور، أي وقت تلقيهما وسؤالهما أنه من أي القبيلَيْن يكون عند الرجل قعيد عن اليمين وقعيد عن الشمال ملكان ينزلان، وعنده ملكان آخران كاتبان لأعماله، ويؤيد ما ذكرناه قوله تعالى :( سائق وشهيد ( ( ق : ٢١ ). فالشهيد هو القعيد والسائق هو المتلقي يتلقى روحه من ملَك الموت فيسوقه إلى منزله وقت الإعادة، وهذا أعرف الوجهين وأقربهما إلى الفهم ) اه.
وكأنه ينحو به منحى قوله تعالى :( فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذٍ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ( ( الواقعة : ٨٣ ٨٥ ). ولا نوقف في سداد هذا التفسير إلا على ثبوت وجود ملكين يتسلمان روح الميت من يد ملَك الموت عند قبضها ويجعلانها في المقر المناسب لحالها. والمظنون بفخر الدين أنه اطلع على ذلك، وقد يؤيده ما ذكره


الصفحة التالية
Icon