" صفحة رقم ٣٤٨ "
فيقولون : وأي شيء أفضل من ذلك ؟ فيقول : أحُلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً ).
وفي إيثار التعبير عن الجلالة بوصف ( ربّ ) مضاففٍ إلى ضمير المتقين معنى من اختصاصهم بالكرامة والإيماء إلى أن سبب ما آتاهم هو إيمانهم بربوبيته المختصة بهم وهي المطابقة لصفات الله تعالى في نفس الأمر.
وجملة ) إنهم كانوا قبل ذلك محسنين ( تعليل لجملة ) إن المتقين في جنات وعيون (، أي كان ذلك جزاء لهم عن إحسانهم كما قيل للمشركين ) ذوقوا فتنتكم ( ( الذاريات : ١٤ ). والمحسنون : فاعلو الحسنات وهي الطاعات.
وفائدة الظرف في قوله :( قبلَ ذلك ( أن يؤتى بالإشارة إلى ما ذكر من الجنات والعيون وما آتاهم ربهم مما لا عين رأتْ ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فيحصل بسبب تلك الإشارة تعظيم شأن المشار إليه، ثم يفاد بقوله ) قبل ذلك (، أي قبل التنعم به أنهم كانوا محسنين، أي عاملين الحسنات كما فسره قوله :( كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ( الآية. فالمعنى : أنهم كانوا في الدنيا مطيعين لله تعالى واثقين بوعده ولم يروه.
وجملة ) كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون ( بدل من جملة ) كانوا قبل ذلك محسنين ( بدل بعض من كل لأن هذه الخصال الثلاث هي بعض من الإحسان في العمل. وهذا كالمثال لأعظم إحسانهم فإن ما ذكر من أعمالهم دال على شدة طاعتهم لله ابتغاء مرضاته ببذل أشد ما يبذل على النفس وهو شيئان.
أولهما : راحة النفس في وقت اشتداد حاجتها إلى الراحة وهو الليل كله وخاصة آخره، إذ يكون فيه قائم الليل قد تعب واشتد طلبه للراحة.
وثانيهما : المال الذي تشحّ به النفوس غالباً، وقد تضمنت هذه الأعمال الأربعة أصلَي إصلاح النفس وإصلاح الناس. وذلك جماع ما يرمي إليه التكليف من الأعمال فإن صلاح النفس تزكية الباطن والظاهر ففي قيام الليل إشارة إلى تزكية النفس باستجلاب رضى الله تعالى. وفي الاستغفار تزكية الظاهر بالأقوال الطيبة الجالبة لمرضاة الله عز وجل.


الصفحة التالية
Icon