" صفحة رقم ٣٤٩ "
وفي جعلهم الحق في أموالهم للسائلين نفع ظاهر للمحتاج المظهر لحاجته. وفي جعلهم الحق للمَحروم نفع المحتاج المتعفّف عن إظهار حاجته الصابر على شدة الاحتياج.
وحرف ) ما ( في قوله :( قليلاً من الليل ما يهجعون ( مزيد للتأكيد. وشاعت زيادة ) ما ( بعد اسم ( قليل ) و ( كثير ) وبعد فعل ( قل ) و ( كثر ) و ( طال ).
والمعنى : كانوا يهجعون قليلاً من الليل. وليست ) ما ( نافية.
والهجوع : النوم الخفيف وهو الغِرار.
ودلت الآية على أنهم كانوا يهجعون قليلاً من الليل وذلك اقتداء بأمر الله تعالى نبيئه ( ﷺ ) بقوله :( قم الليل إلا قليلاً نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ( ( المزمل : ٢ ٤ ) وقد كان النبي ( ﷺ ) يأمرهم بذلك كما في حديث عبد الله بن عَمرو بن العاص ( أن رسول الله قال له : لم أُخْبَر أنك تقوم الليل وتصوم النهار قال : نعم. قال : لا تفعل إنك إن فعلت ذلك نفِهت النفس وهَجمت العين. وقال له : قم ونَم، فإن لنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ).
وقد اشتملت هذه الجملة على خصائص من البلاغة :
أولاها : فعل الكون في قوله :( كانوا ( الدال على أن خبرها سُنَّة متقررة.
الثاني : العدول عن أن يقال : كانوا يقيمون الليل، أو كانوا يُصَلُّون في جوف الليل، إلى قوله :( قليلاً من الليل ما يهجعون ( لأن في ذكر الهجوع تذكيراً بالحالة التي تميل إليها النفوس فتغلبها وتصرفها عن ذكر الله تعالى وهو من قبيل قوله تعالى :( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ( ( السجدة : ١٦ )، فكان في الآية إطناب اقتضاه تصوير تلك الحالة، والبليغ قد يورد في كلامه ما لا تتوقف عليه استفادة المعنى إذا كان يرمي بذلك إلى تحصيل صور الألفاظ المزيدة.
الثالث : التصريح بقوله :( من الليل ( للتذكير بأنهم تركوا النوم في الوقت الذي من شأنه استدعاء النفوس للنوم فيه زيادةً في تصوير جلال قيامهم الليل وإلا فإن قوله :( كانوا قليلاً ما يهجعون ( يفيد أنه من الليل.


الصفحة التالية
Icon