" صفحة رقم ٧٦ "
حسب رأيه، فالتوحيد أصل صلاح بال المؤمن، ومنه تنبعث القوى المقاومة للأخطاء والأوهام التي تلبس بها أهل الشرك، وحكاها عنهم القرآن في مواضع كثيرة والمعنى : أقام أنظارهم وعقولهم فلا يفكرون إلا صالحاً ولا يتدبرون إلا ناجحاً.
هذا تبيين للسبب الأصيل في إضلال أعمال الكافرين وإصلاح بال المؤمنين. والإتيان باسم الإشارة لتمييز المشار إليه أكملَ تمييز تنويهاً به. وقد ذُكرت هذه الإشارة أربع مرات في هذه الآيات المتتابعة للغرض الذي ذكرناه.
والإشارة إلى ما تقدم من الخبرين المتقدمين، وهما ) أضل أعمالهم ( ( محمد : ١ ) و ) كفَّر عنهم سيئاتهمْ وأصلح بالهم ( ( محمد : ٢ )، مع اعتبار علتي الخبرين المستفادتين من اسمي الموصول والصلتين وما عطف على كلتيهما.
واسم الإشارة مبتدأ، وقوله :( بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل ( الخ خبره، والباء للسببيّة ومجرورها في موضع الخبر عن اسم الإشارة، أي ذلك كائن بسبب اتباع الكافرين الباطل واتباع المؤمنين الحق، ولما كان ذلك جامعاً للخبرين المتقدمين كان الخبر عنه متعلقاً بالخبرين وسبباً لهما. وفي هذا محسن الجمع بعد التفريق ويسمونه كعكسه التفسيرَ لأن في الجمع تفسيرا للمعنى الذي تشترك فيه الأشياء المتفرقة تقدمَ أو تأخَّرَ. وشاهده قول حسان من أسلوب هذه الآية :
قوم إذا حاربوا ضَرّوا عدوَّهم
أو حاولوا النفعَ في أشياعهم نفَعوا
سَجية تلكَ فيهم غير مُحدثة
إنَّ الخَلائق فاعَلمْ شرُّها البِدَع
قال في ( الكشاف ) : وهذا الكلام يسميه علماء البيان التفسير، يريد أنه من المحسنات البديعية. ونقل عن الزمخشري أنه أنشد لنفسه لمّا فسر لطلبته هذه الآية فقُيد عنه في الحواشي قوله :


الصفحة التالية
Icon