" صفحة رقم ١١٢ "
مقصوراً عليهم كما هو مقتضى حالهم فنزلوا منزلة من يرون الأمور تجري على ما يتمنّون، أي بل أماني الإِنسان بيد الله يعطي بعضها ويمنع بعضها كما دل عليه التفريع عقبه بقوله :( فللَّه الآخرة والأولى ).
وهذا من معاني الحكمة لأن رغبة الإِنسان في أن يكون ما يتمناه حاصلاً رغبة لو تبصّر فيها صاحبها لوجد تحقيقها متعذراً لأن ما يتمناه أحد يتمناه غيره فتتعارض الأماني فإذا أُعطي لأحد ما يتمنّاه حُرم من يتمنَّى ذلك معه فيفضي ذلك إلى تعطيل الأمنيتين بالأخارة، والقانون الذي أقام الله عليه نظام هذا الكون أن الحظوظ مقسمة، ولكل أحد نصيب، ومن حق العاقل أن يتخلق على الرضى بذلك وإلا كان الناس في عيشة مريرة. وفي الحديث ( لا تَسْأَللِ المرأةُ طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتقعُد فإن لها ما كُتب لها ).
وتفريع ) فللَّه الآخرة والأولى ( تصريح بمفهوم القصر الإِضافي كما علمت آنفاً. وتقديم المجرور لإِفادة الحصر، أي لله لا للإِنسان.
و ) الآخرة ( العالم الأخروي، و ) الأولى ( العالم الدنيوي. والمراد بهما ما يحتويان عليه من الأمور، أي أمور الآخرة وأمور الأولى، والمقصود من ذكرهما تعميم الأشياء مثل قوله :( رب المشرقين ورب المغربين ( ( الرحمن : ١٧ ).
وإنما قدمت الآخرة للاهتمام بها والتثنية إلى أنها التي يجب أن يكون اعتناء المؤمنين بها لأن الخطاب في هذه الآية للنبيء ( ﷺ ) والمسلمين، مع ما في هذا التقديم من الرعاية للفاصلة.
لما بين الله أن أمور الدارين بيد الله تعالى وأن ليس للإِنسان ما تمنّى، ضَرب لذلك مِثالاً من الأماني التي هي أعظم أمانيّ المشركين وهي قولهم في الأصنام ) ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى ( ( الزمر : ٣ )، وقولهم :( هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه ( ( يونس : ١٨ )،


الصفحة التالية
Icon