" صفحة رقم ١١٣ "
فبينّ إبطال قولهم بطريق فحوى الخطاب وهو أن الملائكة الذين لهم شرف المنزلة لأن الملائكة من سكان السماوات ( فهم لا يستطيعون إنكار أنهم أشرف من الأصنام ) لا يملكون الشفاعة إلا إذا أذن الله أن يشفع إذا شاء أن يقبل الشفاعة في المشفوع له، فكيف يكون للمشركين ما تمنوا من شفاعة الأصنام للمشركين الذين يقولون ) هؤلاء شفعاؤنا عند اللَّه ( وهي حجارة في الأرض وليست ملائكة في السماوات، فثبت أن لا شفاعة إلا لمن شاء الله، وقد نفي الله شفاعة الأصنام فبطل اعتقاد المشركين أنهم شفعاؤهم، فهذه مناسبة عطف هذه الجملة على جملة ) أم للإنسان ما تمنى ( ( النجم : ٢٤ ). وليس هذا الانتقال اقتضاباً لبيان عظم أمر الشفاعة.
و ) كم ( اسم يدل على كثرة العدد وهو مبتدأ والخبر ) لا تغني شفاعتهم ).
وقد تقدم الكلام على ) كم ( في قوله تعالى :( سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة في سورة البقرة، وقوله : وكم من قرية أهلكناها في الأعراف.
وفي السموات ( صفة ل ) ملك ). والمقصود منها بيان شرفهم بشرف العالم الذي هم أهله، وهو عالم الفضائل ومنازل الأسرار.
وجملة ) لا تغني شفاعتهم ( الخ، خبر عن ) كم (، أي لا تغني شفاعة أحدهم فهو عام لوقوع الفعل في سياق النفي، ولإِضافة شفاعة إلى ضميرهم، أي جميع الملائكة على كثرتهم وعلوّ مقدارهم لا تغني شفاعة واحد منهم.
و ) شيئاً ( مفعول مطلق للتعميم، أي شيئاً من الإِغناء لزيادة التنصيص على عموم نفي إغناء شفاعتهم.
ولما كان ظاهر قوله :( لا تغني شفاعتهم ( يوهم أنهم قد يشفعون فلا تقبل شفاعتهم، وليس ذلك مراداً لأن المراد أنهم لا يجْرَأون على الشفاعة عند الله فلذلك عقب بالاستثناء بقوله :( إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى (، وذلك ما اقتضاه قوله :( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ( ( الأنبياء : ٢٨ ) وقوله :( من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ( ( البقرة : ٢٢٥ ) أي إلا من بعد أن يأذن الله لأحدهم في الشفاعة ويرضى بقبولها في المشفوع له.


الصفحة التالية
Icon