" صفحة رقم ١٢٢ "
ولينصرف اهتمامه إلى تجنب الكبائر. فهذا الاستدراك بشارة لهم، وليس المعنى أن الله رخص في إتيان اللمم. وقد أخطأ وضاح اليَمن في قوله الناشىء عن سوء فهمه في كتاب الله وتطفله في غير صناعته :
فما نوَّلَتْ حتى تضرعتُ عندها
وأنبأتُها ما رَخَّص الله في اللَّمم
واللمم : الفعل الحرام الذي هو دون الكبائر والفواحش في تشديد التحريم، وهو ما يندر ترك الناس له فيكتفى منهم بعدم الإكثار من ارتكابه. وهذا النوع يسميه علماء الشريعة الصغائر في مقابلة تسمية النوع الآخر بالكبائر.
فمثلوا اللمم في الشهوات المحرمة بالقبلة والغمزة. سمي : اللمم، وهو اسم مصدر أَلمَّ بالمكان إلماماً إذا حلّ به ولم يُطل المكث، ومن أبيات الكتاب :
قريشي منكمُ وَهَوَايَ مَعْكُم
وإن كانت زيارتكم لِمامَا
وقد قيل إن هذه الآية نزلت في رجل يسمى نَبْهان التَمَّار كان له دُكان يبيع فيه تمراً ( أي بالمدينة ) فجاءته امرأة تشتري تمراً فقال لها : إنّ داخل الدُكان ما هو خير من هذا، فلما دخلت راودها على نفسها فأبت فندم فأتى النبي وقال : ما من شيء يصنعه الرجل إلا وقد فعلته ( أي غصباً عليها ) إلا الجماع، فنزلت هذه الآية، أي فتكون هذه الآية مدنية أُلحقت بسورة النجم المكية كما تقدم في أول السورة.
والمعنى : أن الله تجاوز له لأجل توبته. ومن المفسرين من فسر اللَّمم بِالهَمّ بالسيئة ولا يفعل فهو إلمام مجازي.
وقوله : إن ربك واسع المغفرة ( تعليل لاستثناء اللمم من اجتنابهم كبائر الإِثم والفواحش شرطاً في ثبوت وصف ) الذين أحسنوا ( لهم.
وفي بناء الخبر على جعل المسند إليه ) ربك ( دون الاسم العلم إشعار بأن سعة المغفرة رفق بعباده الصالحين شأن الرب مع مربوبه الحق.


الصفحة التالية
Icon