" صفحة رقم ١٢٤ "
وعلم أن فيكم ضعفاً ( ( الأنفال : ٦٦ ) الآية ثم يجيء الكلام في التفريع بقوله :( فلا تزكوا أنفسكم ).
فينبغي أن تحل جملة ) هو أعلم بكم ( إلى آخرها استئنافاً بيانياً لجملة ) إن ربك واسع المغفرة ( لما تضمنته جملة ) إن ربك واسع المغفرة ( من الامتنان، فكأن السامعين لما سمعوا ذلك الامتنان شكروا الله وهجس في نفوسهم خاطر البحث عن سبب هذه الرحمة بهم فأجيبوا بأن ربهم أعلم بحالهم من أنفسهم فهو يدبر لهم ما لا يخطر ببالهم، ونظيره ما في الحديث القدسي قال الله تعالى :( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر خيراً من بَلْه ما أطَّلَعتم عليه ).
وقوله :( إذ أنشأكم ( ظرف متعلق ب ( أعلم )، أي هو أعلم بالناس من وقت إنشائه إياهم من الأرض وهو وقت خلق أصلهم آدم.
والمعنى : أن إنشاءهم من الأرض يستلزم ضعف قدرهم عن تحمل المشاق مع تفاوت أطوار نشأة بني آدم، فالله علم ذلك وعلم أن آخر الأمم وهي أمة النبي ( ﷺ ) أضعف الأمم. وهذا المعنى هو الذي جاء في حديث الإِسراء من قول موسى لمحمد عليهما الصلاة والسلام حين فرض الله على أمته خمسين صلاة ( إن أمتك لا تطيق ذلك وإني جربت بني إسرائيل ) أي وهم أشد من أمتك قوة، فالمعنى أن الضعف المقتضي لسعة التجاوز بالمغفرة مقرر في علم الله من حين إنشاء آدم من الأرض بالضعف الملازم لجنس البشر على تفاوت فيه قال تعالى :( وخلق الإِنسان ضعيفاً ( ( النساء : ٢٨ )، فإن إنشاء أصل الإِنسان من الأرض وهي عنصر ضعيف يقتضي ملازمة الضعف لجميع الأفراد المنحدرة من ذلك الأصل. ومنه قوله النبي :( إن المرأة خُلقت من ضِلَع أعوج ).
وقوله :( وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ( يختص بسعة المغفرة والرفق بهذه الأمة وهو متقضى قوله تعالى :( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( ( البقرة : ١٨٥ ).
والأجنة : جمع جنين، وهو نسل الحيوان ما دام في الرحم، وهو فعيل بمعنى مفعول لأنه مستور في ظلمات ثلاث.


الصفحة التالية
Icon