" صفحة رقم ١٢٦ "
الله عليك أبا السائب ( كنية عثمان بن مظعون ) فشهادتي عليك لقد أكرمكَ الله فقال لها رسول الله ( ﷺ ) وما يُدريك أن الله أكرمه، فقالت : إذا لم يُكرمه الله فمنْ يكرمهُ الله، فقال رسول الله ( ﷺ ) أما هو فقد جاءه اليقين وإني لأرجو له الخير وإني والله ما أدري وأنا رسولُ الله ما يُفعل بي ). قالت أم عطية : فلا أزكي أحداً بعدَ ما سمعت هذا من رسول الله ( ﷺ ) وقد شاع من آداب عصر النبوة بين الصحابة التحرز من التزكية وكانوا يقولون إذا أثنوا على أحد لا أعلم عليه إلا خيراً ولا أزكي على الله أحداً.
وروى مسلم عن محمد بن عمرو بن عطاء قال :( سميت ابنتي بَرة فقالت لي زينب بنت بن سلمة إن رسول الله نهى عن هذا الإسم، وسُمِّيتُ برة فقال رسول الله ( ﷺ ) لا تزكوا أنفسكم إن الله أعلم بأهل البر منكم، قالوا : بم نسميها ؟ قال : سموها زينب ).
وقد ظهر أن النهي متوجه إلى أن يقول أحد ما يفيد زكاء النفس، أي طهارتها وصلاحها، تفويضاً بذلك إلى الله لأن للناس بواطن مختلفةَ الموافقةِ لظواهرهم وبين أنواعها بَون. وهذا من التأديب على التحرز في الحكم والحيطة في الخِبرة واتهام القرائن والبوارق.
فلا يدخل في هذا النهي الإِخبارُ عن أحوال الناس بما يعلم منهم وجربوا فيه من ثقة وعدالة في الشهادة والرواية وقد يعبر عن التعديل بالتزكية وهو لفظ لا يراد به مثل ما أريد من قوله تعالى :( فلا تزكوا أنفسكم ( بل هو لفظ اصطلح عليه الناس بعد نزول القرآن ومرادهم منه واضح.
ووقعت جملة ) هو أعلم بمن اتقى ( موقع البيان لسبب النهي أو لأهمِّ أسبابه، أي فوضوا ذلك إلى الله إذ هو أعلم بمن اتقى، أي بحال من اتقى من كمال تقوى أو نقصها أو تزييفها. وهذا معنى ما ورد في الحديث أن يقول من يخبر عن أحد بخير :( لا أزكي على الله أحداً ) أي لا أزكى أحداً معتلياً حق الله، أي متجاوزاً قدري.


الصفحة التالية
Icon