" صفحة رقم ١٩١ "
( ١٨ ٢٠ )
موقع هذه الجملة كموقع جملة ) كذبت قبلهم قوم نوح ( ( القمر : ٩ ) فكان مقتضى الظاهر أن تعطف عليها، وإنما فصلت عنها ليكون في الكلام تكرير التوبيخ والتهديد والنعي عليهم عقب قوله :( ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر ( ( القمر : ٤، ٥ ). ومقام التوبيخ والنعي يقتضي التكرير.
والحكم على عاد بالتكذيب عموم عرفي بناء على أن معظمهم كذبوه وما آمن به إلا نفر قليل قال تعالى :( ولما جاء أمرنا نجينا هوداً والذين آمنوا معه برحمة منا ( ( هود : ٥٨ ).
وفرع على التذكير بتكذيب عاد قوله :( فكيف كان عذابي ونذر ( قبل أن يذكر في الكلام ما يشعر بأن الله عذبهم فضلاً عن وصف عذابهم.
فالاستفهام مستعمل في التشويق للخبر الوارد بعده وهو مجاز مرسل لأن الاستفهام يستلزم طلب الجواب والجواب يتوقف على صفة العذاب وهي لَمّا تذكر فيحصل الشوق إلى معرفتها وهو أيضاً مكنى به عن تهويل ذلك العذاب.
وفي هذا الاستفهام إجمال لحال العذاب وهو إجمال يزيد التشويق إلى ما يبينه بعده من قوله :( إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً ( الآية، ونظيره قوله تعالى :( عم يتساءلون ( ( النبأ : ١ ) ثم قوله :( عن النبأ العظيم ( ( النبأ : ٢ ) الآية.
وعطف ) ونذر ( على ) عذابي ( بتقدير مضاف دل عليه المقام، والتقدير : وعاقبة نذري، أي إنذاراتي لهم، أي كيف كان تحقيق الوعيد الذي أنذرهم.
ونُذر : جمع نذير بالمعنى المصدري كما تقدم في أوائل السورة وقد علمت بما ذكرنا أن جملة ( فكيف كان عذابي ونذري ) هذه ليست تكريراً لنظيرها السابق في خبر قوم نوح، ولا اللاحق في آخر قصة عاد للاختلاف الذي علمته بين مُفادها ومفاد مماثلتها وإن اتحدت ألفاظهما.