" صفحة رقم ٢٠٠ "
وضمير ) لهم ( عائد إلى المكذبين منهم بقرينة إسناد التكذيب كما تقدم. واسم الفاعل من قوله :( مرسلوا الناقة ( مستعمل في الاستقبال مجازاً بقرينة قوله :( فارتقبهم واصطبر (، فعدل عن أن يقال : سنرسل، إلى صيغة اسم الفاعل الحقيقة في الحال لتقريب زمن الاستقبال من زمن الحال.
والارتقاب : الانتظار، ارتقب مثل : رقب، وهو أبلغ دلالة من رقب، لزيادة المبنى فيه.
وعدي الارتقاب إلى ضميرهم على تقدير مضاف يقتضيه الكلام لأنه لا يرتقب ذواتهم وإنما يرتقب أحوالاً تحصل لهم. وهذه طريقة إسناد أو تعليققِ المشتقات التي معانيها لا تسند إلى الذوات فتكون على تقدير مضاف اختصاراً في الكلام اعتماداً على ظهور المعنى. وذلك مثل إضافة التحريم والتحليل إلى الذوات في قوله تعالى :( حرمت عليكم الميتة ( ( المائدة : ٣ ). والمعنى : فارتقب ما يحصل لهم من الفتنة عند ظهور الناقة.
والاصطبار : الصبر القوي، وهو كالارتقاب أيضاً أقوى دلالة من الصبر، أي اصبر صبراً لا يعتريه ملل ولا ضجر، أي اصبر على تكذيبهم ولا تأيس من النصر عليهم، وحذف متعلق ) اصطبر ( ليعم كل حال تستدعي الضجر. والتقديرُ : واصطبر على أذاهم وعلى ما تجده في نفسك من انتظار النصر.
وجملة ) ونبئهم أن الماء قسمة بينهم ( معطوفة على جملة ) إنا مرسلوا الناقة ( باعتبار أن الوعد بخلق آية الناقة يقتضي كلاماً محذوفاً، تقديره : فأرسلنا لهم الناقة وقلنا نبئهم أن الماء قسمة بينهم على طريقة العطف والحذف في قوله :( فأوحينا إلى موسى أن أضرب بعصاك البحر فانفلق ( ( الشعراء : ٦٣ )، وإن كان حرف العطف مختلفاً، ومثل هذا الحذف كثير في إيجاز القرآن.
والتعريف في ) الماء ( للعهد، أي ماء القرية الذي يستقون منه، فإن لكل محلة ينزلها قوم ماءً لسقياهم وقال تعالى :( ولما ورد ماء مدين ( ( القصص : ٢٣ ).
وأخبر عن الماء بأنه ) قسمة ). والمراد مقسوم فهو من الإِخبار بالمصدر للتأكيد والمبالغة.