" صفحة رقم ٣١٨ "
) وننشئكم ( عطف على ) نبدل (، أي ما نحن بمغلوبين على إنشائكم.
وهذا العطف يحتمل أن يكون عطف مغاير بالذات فيكون إنشاؤهم شيئاً آخر غير تبديل أمثالهم، أي نحن قادرون على الأمرين جميعاً، فتبديل أمثالهم خلق أجساد أخرى تودع فيها الأرواح، وأما إنشاؤهم فهو نفخ الأرواح في الأجساد الميتة الكاملة وفي الأجساد البالية بعد إعادتها بجمع متفرقها أو بإنشاء أمثالها من ذواتها مثل : عَجب الذنب، وهذا إبطال لاستبعادهم البعث بعد استقرار صور شبهتهم الباعثة على إنكار البعث.
ويحتمل أن يكون عطف مغاير بالوصف بأن يراد من قوله :( وننشئكم في ما لا تعلمون ( الإِشارة إلى كيفية التبديل إشارة على وجه الإِبهام.
وعطف بالواو دون الفاء لأنه بمفرده تصوير لقدرة الله تعالى وحكمته بعدما أفاده قوله :( أن نبدل أمثالكم ( من إثبات أن الله قادر على البعث.
و ) ما ( من قوله :( في ما لا تعلمون ( صادقة على الكيفية، أو الهيئة التي يتكيّف بها الإنشاء، أي في كيفية لا تعلمونها إذ لم تحيطوا علماً بخفايا الخلقة. وهذا الإجمال جامع لجميع الصور التي يفرضها الإمكان في بعث الأجساد لإيداع الأرواح.
والظرفية المستفادة من ) في ( ظرفية مجازية معناها قوة الملابسة الشبيهة بإحاطة الظرف بالمظروف كقوله :( فعدلك في أي صورة ما شاء ركّبك ( ( الانفطار : ٧، ٨ ).
ومعنى ) لا تعلمون ( : أنهم لا يعلمون تفاصيل تلك الأحوال.
أعقب دليل إمكان البعث المستند للتنبيه على صلاحية القدرة الإِلهية لذلك ولسد منافذ الشبهة بدليل من قياس التمثيل، وهو تشبيه النشأة الثانية بالنشأة الأولى المعلومة عندهم بالضرورة، فنبهوا ليقيسوا عليها النشأة الثانية في أنها إنشاء من أثر قدرة الله وعلمه، وفي أنهم لا يحيطون علماً بدقائق حصولها.