" صفحة رقم ٣٤٣ "
وهذا كقوله تعالى :( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ( ( المؤمنون : ١١٥ )، فالله تعالى جعل الحياة الدنيا والآجال مُدَدَ عمل، وجعل الحياة الآخرة دار جزاء على الأعمال، ولذلك أقام نظام الدنيا على قاعدة الانتهاء لآجاللِ حياة الناس.
أما موت من كان قريباً من سن التكليف ومَن دونه وموت العَجَماوات فذلك عارض تابع لإِجراء التكوين للأجساد الحية على نظام التكوين المتماثل، وكذلك ما يعرض لها من عوارض مهلكة اقتضاها تعارض مقتضيات الأنظام وتكوين الأمزجة من صحة ومرض، ومسالمة وعدوان.
فبقي الإِشكال في جعل ) ترجعونها ( من جملة جواب شرط ) إن ( إذ لا يلزم من عدم قدرتهم على صد الأرواح عن الخروج، أن يكون خروجها لإجراء الحساب. ودفع هذا الإشكال وجوب تأويل ) ترجعونها ( بمعنى تحاولون إرجاعها، أي عدمُ محاولتكم إرجاعها منذ العصور الأولى دليل على تسليمكم بعدم إمكان إرجاعها، وما ذلك إلا لوجوب خروجها من حياة الأعمال إلى حياة الجزاء. وأصل تركيب هذه الجملة : فإذا كنتم صادقين في أنكم غير مدينين فلولا حاولتم عند كل محتضر إذا بلغت الروح الحلقوم أن ترجعوها إلى مواقعها من أجزاء جسده فما صرفكم عن محاولة ذلك إلا العلم الضروري بأن الروح ذاهبة لا محالة. فإذا علمت هذا اتضح لك انتظام الآية التي نُظمت نظماً بديعاً من الإِيجاز، وأدمج في دليلها ما هو تكملة للإعجاز.
و ( لولا ) حرف تحْضيض مستعمل هنا في التعجيز لأن المحضوض إذا لم يفعل ما حُضّ على فعله فقد أظهر عجزه والفعل المحضوض عليه هو ) ترجعونها (، أي تحاولون رجوعها.
و ) إذا بلغت ( ظرف متعلق ب ) ترجعونها ( مقدم عليه لتهويله والتشويق إلى الفعل المحضوض عليه.
والضمير المستتر في ) بلغت ( عائد على مفهوم من العبارات لظهور أن التي