" صفحة رقم ٣٦٨ "
استئناف وقع موقع النتيجة بعد الاستدلال فإن أول السورة قرر خضوع الكائنات إلى الله تعالى وأنه تعالى المتصرف فيها بالإِيجاد والإِعدام وغير ذلك فهو القدير عليها، وأنه عليم بأحوالهم مطلّع على ما تضمره ضمائرهم وأنهم صائرون إليه فمحاسبهم، فلا جرم تهيأ المقام لإِبلاغهم التذكير بالإِيمان به إيماناً لا يشوبه إشراك والإِيمان برسوله ( ﷺ ) إذ قد تبين صدقه بالدلائل الماضية التي دلت على صحة ما أخبرهم به مما كان محل ارتيابهم وتكذيبهم كما أشار إليه قوله :( والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم ( ( الحديد : ٨ ).
فذلك وجه عطف ) ورسوله ( على متعلق الإِيمان مع أن الآيات السابقة ما ذكرت إلا دلائل صفات الله دون الرسول ( ﷺ )
فالخطاب ب ) آمنوا ( للمشركين، والآية مكية حسب ما رُوي في إسلام عُمَر وهو الذي يلائم اتصال قوله :( وما لكم لا تؤمنون بالله ( ( الحديد : ٨ ) الخ بها.
والمراد بالإِنفاق المأمور به : الإِنفاق الذي يدعو إليه الإِيمان بعد حصول الإِيمان وهو الإِنفاق على الفقير، وتخصيص الإِنفاق بالذكر تنويه بشأنه، وقد كان أهل الجاهلية لا ينفقون إلا في اللذات، والمفاخرة والمقامرة، ومعاقرة الخمر، وقد وصفهم القرآن بذلك في مواضع كثيرة كقوله :( إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين ( ( الحاقة : ٣٤ ) وقوله :( بل لا تكرمون اليتيم ولا تحضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلاً لمّاً وتحبون المال حباً جماً ( ( الفجر : ١٧ ٢٠ ) وقوله :( ألهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر ( ( التكاثر : ١، ٢ ) إلى آخر السورة.
وقيل : نزلت في غزوة تبوك يعني الإِنفاق بتجهيز جيش العُسْرة قاله ابن عطية عن الضحاك، فتكون الآية مدنية ويكون قوله :( آمنوا ( أمراً بالدوام على الإِيمان كقوله :( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ( ( النساء : ١٣٦ ).
ويجوز أن يكون أمراً لمن في نفوسهم بقية نفاق أو ارتياب، وأنهم قبضوا أيديهم


الصفحة التالية
Icon