" صفحة رقم ٣٨٨ "
يجوز أن يكون هذا الكلام من تتمة خطاب المؤمنين للمنافقين استمراراً في التوبيخ والتنديم. وهذا ما جرى عليه المفسرون، فموقع فاء التفريع بينّ والعلم للمؤمنين بأن لا تؤخذ فدية من المنافقين والذين كفروا حاصل مما يسمعون في ذلك اليوم من الأقضية الإِلهية بين الخلق بحيث صار معلوماً لأهل المحشر، أو هو علم متقرر في نفوسهم مما علموه في الدنيا من أخبار القرآن وكلام النبي ( ﷺ ) وذلك موجب عطف ) ولا من الذين كفروا ( تعبيراً عما علموه بأسره وهو عطف معترض جَرَّته المناسبة.
ويجوز أن يكون كلاماً صادراً من جانب الله تعالى للمنافقين تأييساً لهم من الطمع في نوال حظ من نور المؤمنين، فيكون الفاء من عطف التلقين عاطفة كلام أحد على كلام غيره لأجل اتحاد مكان المخاطبة على نحو قوله تعالى قال :( ومن ذريتي ( ( إبراهيم : ٤٠ ).
ويكون عطف ) ولا من الذين كفروا ( جمعاً للفريقين في توبيخ وتنديم واحد لاتحادهما في الكفر.
وإقحام كلمة ) فاليوم ( لتذكيرهم بما كانوا يضمرونه في الدنيا حين ينفقون مع المؤمنين ريَاء وتقيّة. وهو ما حكاه الله عنهم بقوله :( ومن الأعراب من يتخذ ما ينفق مغرماً ويتربص بكم الدوائر ( ( التوبة : ٩٨ ).
وقرأ الجمهور ) لا يؤخذ ( بياء الغائب المذكر لأن تأنيث ) فدية ( غير حقيقي، وقد فُصل بين الفعل وفاعله بالظرف فحصل مسوغان لترك اقتران الفعل بعلامة المؤنث. وقرأه ابن عامر وأبو جعفر ويعقوب بمثناة فوقية جرياً على تأنيث الفاعل في اللفظ، والقراءتان سواء.
وكني بنفي أخذ الفدية عن تحقق جزائهم على الكفر، وإلا فإنهم لم يبذلوا فدية، ولا كان النفاق من أنواع الفدية ولكن الكلام جرى على الكناية لما هو


الصفحة التالية
Icon