" صفحة رقم ٥٨ "
الصالحين من الأبناء لآبائهم على ذلك، قال النبي ( ﷺ ) ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ) فذكر ( وولد صالح يدعو له بخير ).
وقوله :( إنه هو البر الرحيم ( قرأه نافع والكسائي وأبو جعفر بفتح همزة ( أنه ) على تقدير حرف الجر محذوفاً حذفاً مطّرداً مع ( أَنَّ ) وهو هنا اللام تعليلاً ل ) ندعوه (، وقرأه الجمهور بكسر همزة ( إن ) وموقع جملتها التعليل.
والبَر : المُحسن في رفق.
والرحيم : الشديد الرحمة وتقدم في تفسير سورة الفاتحة.
وضمير الفصل لإِفادة الحصر وهو لقصر صفتي ) البر ( و ) الرحيم ( على الله تعالى وهو قصر ادعائي للمبالغة لعدم الاعتداد ببرور غيره ورحمة غيره بالنسبة إلى برور الله ورحمته باعتبار القوة فإن غير الله لا يبلغ بالمبرة والرحمة مبلغ ما لله وباعتبار عموم المتعلق، وباعتبار الدوام لأن الله بر في الدنيا والآخرة، وغير الله برّ في بعض أوقات الدنيا ولا يملك في الآخرة شيئاً.
تفريع على ما تقدم كله من قوله :( إن عذاب ربك لواقع ( ( الطور : ٧ ) لأنه تضمن تسلية الرسول ( ﷺ ) عن تكذيب المكذبين والافتراء عليه، وعقب بهذا لأن من الناس مؤمنين به متيقنين أن الله أرسله مع ما أعد لكلا الفريقين فكان ما تضمنه ذلك يقتضي أن في استمرار التذكير حكمة أرادها الله، وهي ارعواء بعض المكذبين عن تكذيبهم وازدياد المصدقين توغلاً في إيمانهم، ففرع على ذلك أن أمر الله رسول ( ﷺ ) بالدوام على التذكير.
فالأمر مستعمل في طلب الدوام مثل ) يا أيها الذين آمنوا آمنوا باللَّه ورسوله ( ( النساء : ١٣٦ ). ولما كان أثر التذكير أَهمَّ بالنسبة إلى فريق المكذبين ليهتدي من شرح قلبه للإِيمان رُوعي ما يَزيد النبي ( ﷺ ) ثباتاً على التذكير من تبرئته مما يواجهونه من قولهم له : هو كاهن أو هو مجنون، فربط الله جَأش رسوله ( ﷺ ) وأعلمه بأن براءته


الصفحة التالية
Icon