" صفحة رقم ٥٩ "
من ذلك نعمة أنعم بها عليه ربه تعالى ففرع هذا الخبر على الأمر بالتذكير بقوله :( فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ). والباء في ) بنعمت ربك ( للملابسة وهي في موضع الحال من ضمير ) أنت ).
ونفي هاذين الوصفين عنه في خطاب أمثاله ممن يستحق الوصف بصفات الكمال يدل على أن المراد من النفي غرض آخر وهو هنا إبطال نسبة من نسبه إلى ذلك كما في قوله تعالى :( وما صاحبكم بمجنون ( ( التكوير : ٢٢ )، ولذلك حسن تعقيبه بقوله :( أم يقولون شاعر ( ( الطور : ٣٠ ) مصرحاً فيه ببعض أقوالهم، فعلم أن المنفي عنه فيما قبله مقالة من مقالهم.
وقد اشتملت هاته الكلمة الطيبة على خصائص تناسب تعظيم من وجهت إليه وهي أنها صيغت في نظم الجملة الاسمية فقيل فيها ( ما أنت بكاهن ) دون : فلست بكاهن، لتدل على ثبات مضمون هذا الخبر.
وقدم فيها المسند إليه مع أن مقتضى الظاهر أن يقدم المسند وهو ) كاهن ( أو ) مجنون ( لأن المقام يقتضي الاهتمام بالمسند ولكن الاهتمام بالضمير المسند إليه كان أرجح هنا لما فيه من استحضار معاده المشعر بأنه شيء عظيم وأفاد مع ذلك أن المقصود أنه متصف بالخبر لا نفس الإِخبار عنه بالخبر كقولنا : الرسول يأكل الطعام ويتزوج النساء. وأفاد أيضاً قصراً إضافياً بقرينة المقام لقلب ما يقولونه أو يعتقدونه من قولهم : هو كاهن أو مجنون، على طريقة قوله تعالى :( وما أنت علينا بعزيز ( ( هود : ٩١ ).
وقرن الخبر المنفي بالباء الزائدة لتحقيق النفي فحصل في الكلام تقويتان، وجيء بالحال قبل الخبر، أو بالجملة المعترضة بين المبتدأ والخبر، لتعجيل المسرة وإظهار أن الله أنعم عليه بالبراءة من هذين الوصفين.
وعدل عن استحضار الجلالة بالاسم العلم إلى تعريفه بالإِضافة وبوصفه الرب لإِفادة لطفه تعالى برسوله ( ﷺ ) لأنه ربه فهو يربُّه ويدبر نفعه، ولتفيد الإضافة تشريف المضاف إليه.


الصفحة التالية
Icon