" صفحة رقم ٦٠ "
وقوله تعالى :( فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ( ردّ على مقالة شَيبة بن ربيعة قال في رسول الله ( ﷺ ) هو كاهن، وعلى عقبة بن أبي معيط إذ قال : هو مجنون، ويدل لكونه رداً على مقالة سبقت أنه أتبعه بقوله :( أم يقولون شاعر ( ( الطور : ٣٠ ) ما سيكون وما خفي مما هو كائن.
والكاهن : الذي ينتحل معرفة ما سيحدث من الأمور وما خفي مما هو كائن ويخبر به بكلام ذي أسْجاع قصيرة. وكان أصل الكلمة موضوعة لهذا المعنى غير مشتقة، ونظيرها في العبرية ( الكوهين ) وهو حافظ الشريعة والمفتي بها، وهو من بني ( لاوي )، وتقدم ذكر الكهانة عند قوله تعالى :( وما تنزلت به الشياطين ( في سورة الشعراء.
وقد اكتُفي في إبطال كونه كاهناً أو مجنوناً بمجرد النفي دون استدلال عليه، لأن مجرد التأمل في حال النبي ( ﷺ ) كاففٍ في تحقق انتفاء ذينك الوصفين عنه فلا يحتاج في إبطال اتصافه بهما إلى أكثر من الإِخبار بنفيهما لأن دليله المشاهدة.
إن كانت ) أم ( مجردة عن عمل العطف فالجملة مستأنفة استئنافاً ابتدائياً، وإلا فهي عطف على جملة ) فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ( ( الطور : ٢٩ ).
وعن الخليل كل ما في سورة الطور من ( أم ) فاستفهام وليس بعطف، يعني أن المعنى على الاستفهام لا على عطف المفردات. وهذا ضابط ظاهر. ومراده : أن الاستفهام مقدر بعد ( أم ) وهي منقطعة وهي للإِضراب عن مقالتهم المردودة بقوله :( فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ( ( الطور : ٢٩ ) للانتقال إلى مقالة أخرى وهي قولهم :( هو شاعر نتربص به ريب المنون ). وعدل عن الإِتيان بحرف ( بل ) مع أنه أشهر في الإِضراب الانتقالي، لقصد تضمن ) أم ( للاستفهام. والمعنى : بل أيقولون شاعر الخ. والاستفهام المقرّر إنكاري.
ومناسبة هذا الانتقال أن أمر النبي ( ﷺ ) بالدوام على التذكير يُشير إلى مقالاتهم


الصفحة التالية
Icon