" صفحة رقم ٦١ "
التي يردون بها دعوته فلما أشير إلى بعضها بقوله تعالى :( فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ( ( الطور : ٢٩ ) انتقل إلى إبطال صفة أخرى يثلثون بها الصفتين المذكورتين قبلها وهي صفة شاعر.
روى الطبري عن قتادة قال قائلون من الناس : تربصوا بمحمد ( ﷺ ) الموت يكفيكموه كما كفاكم شاعرَ بني فلان وشاعر بني فلان، ولم يعينوا اسم الشاعر ولا أنه كان يهجو كفار قريش.
وعن الضحاك ومجاهد : أن قريشاً اجتمعوا في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد ( ﷺ ) فقال بنو عبد الدار : هو شاعر تربصوا به ريب المنون، فسيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى، فافترقوا على هذه المقالة، فنزلت هذه الآية فحكت مقالتهم كما قالوها، أي فليس في الكلام خصوص ارتباط بين دعوى أنه شاعر، وبين تربص الموت به لأن ريب المنون يصيب الشاعر والكاهن والمجنون. وجاء ) يقولون ( مضارعاً للدّلالة على تجدد ذلك القول منهم. والتربص مبالغة في : الرَّبْص، وهو الانتظار.
والريب هنا : الحدثان، وفسر بصرف الدهر، وعن ابن عباس : ريب في القرآن شك إلا مكاناً واحداً في الطور ) ريب المنون ).
والباء في ) به ( يجوز أن تكون للسبب، أي بسببه، أي نتربص لأجله فتكون الباء متعلقة ب ) نتربص ( ويجوز أن تكون للملابسة وتتعلق ب ) ريب المنون ( حالاً منه مقدمة على صاحبها، أي حلول ريب المنون به.
والمنون : من أسماء الموت ومن أسماء الدهر، ويذكّر. وقد فُسر بكلا المعنيين، فإذا فسر بالموت فإضافة ) ريب ( إليه بيانية، أي الحدثان الذي هو الموت وإذا فسر المنون بالدهر فالإِضافة على أصلها، أي أحداث الدهر من مثل موت أو خروج من البلد أو رجوع عن دعوته، فريب المنون جنس وقد ذكروا في مقالتهم قولهم : فسيهلك، فاحتملت أن يكونوا أرادوه بيانَ ريب الموت أو إن أرادوه مثالاً لريب الدهر، وكلا الاحتمالين جار في الآية لأنها حكت مقالتهم.


الصفحة التالية
Icon