" صفحة رقم ٦٣ "
والمعية في قوله :( معكم ( ظاهرها أنها للمشاركة في وصف التربص.
ولمّا كان قوله :( من المتربصين ( مقدراً معه ( بكم ) لمقابلة قولهم :( نتربص به ريب المنون ( ( الطور : ٣٠ ) كان في الكلام توجيه بأنه يبقى معهم يتربص هلاكهم حين تبدو بوادره، إشارة إلى أن وقعة بدر إذْ أصابهم من الحدثان القتل والأسر، فتكون الآية مشيرة إلى صريح قوله تعالى في سورة براءة ) قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم اللَّه بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون. وإنما قال هنا : من المتربصين ( ليشير إلى أن النبي ( ﷺ ) يتربص بهم ريب المنون في جملة المتربصين من المؤمنين، وذلك ما في آية سورة براءة على لسان رسوله ( ﷺ ) والمؤمنين.
وقد صيغ نظم الكلام في هذه الآية على ما يناسب الانتقال من غرض إلى غرض وذلك بما نُهِّي به من شبه التذييل بقوله :( قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين ( إذ تمت به الفاصلة.
إضراب انتقال دعا إليه ما في الاستفهام الإِنكاري المقدّر بعد ) أم ( من معنى التعجيب من حالهم كيف يقولون مثل ذلك القول السابق ويستقر ذلك في إدراكهم وهم يدّعون أنهم أهل عقول لا تلتبس عليهم أحوال الناس فهم لا يجهلون أن محمداً ( ﷺ ) ليس بحال الكهان ولا المجانين ولا الشعراء وقد أبى عليهم الوليد بن المغيرة أن يقول مثل ذلك في قصة معروفة.
قال الزمخشري : وكانت قريش يُدعون أهل الأحلام والنُهى والمعنى : أم تأمرهم أحلامهم المزعومة بهذا القول.
والإِشارة في قوله :( بهذا ( إلى المذكور من القول المعرِّض به في قوله :( فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون ( ( الطور : ٢٩ )، والمُصرح به في قوله :( أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون ( ( الطور : ٣٠ )، وهذا كما يقول من يلوم عاقلاً على فعل فعله ليس من شأنه أن


الصفحة التالية
Icon