" صفحة رقم ٧٣ "
مستمعهم (، أي من استمع منهم لأجلهم، أي أرسلوه للسمع. ومثل هذا الإِسناد شائع في القرآن وتقدم عند قوله تعالى :( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب وما بعده من الآيات في سورة البقرة.
و ( في ) للظرفية وهي ظرفية مجازية اشتهرت حتى ساوت الحقيقة لأن الراقي في السُّلَّم يكون كله عليه، فالسلم له كالظرف للمظروف، وإذ كان في الحقيقة استعلاء ثم شاع في الكلام فقالوا : صعد في السلم، ولم يقولوا : صعد على السلم ولذلك اعتبرت ظرفية حقيقية، أي حقيقة عرفية بخلاف الظرفية في قوله تعالى : ولأصلبنكم في جذوع النخل ( ( طه : ٧١ ) لأنه لم يشتهر أن يقال : صلبه في جذع، بل يقال : صلبه على جذع، فلذلك كانت استعارة، فلا منافاة بين قول من زعم أن الظرفية مجازية وقول من زعمها حقيقة.
والفاء في ) فليأت مستمعهم بسلطان مبين ( لتفريع هذا الأمر التعجيزي على النفي المستفاد من استفهام الإِنكار. فالمعنى : فما يأتي مستمع منهم بحجة تدل على صدق دعواهم. فلام الأمر مستعمل في إرادة التعجيز بقرينة انتفاء أصل الاستماع بطريق استفهام الإنكار.
والسلطان : الحجة، أي حجة على صدقهم في نفي رسالة محمد ( ﷺ ) أو في كونه على وشك الهلاك.
والمراد بالسلطان ما يدل على إطلاعهم على الغيب من أمارات كأنْ يقولوا : آية صدقنا فيما ندعيه وسمعناه من حديث الملأ الأعلى، أننا سمعنا أنه يقع غداً حادثُ كذا وكذا مثلاً، مما لا قبل للناس بعلمه، فيقع كما قالوا ويتوسم منه صدقهم فيما عداه. وهذا معنى وصف السلطان بالمبين، أي المظهر لصحة الدعوى.
وهذا تحدَ لهم بكذبهم فلذلك اكتفى بأن يأتي بعضهم بحجة دون تكليف جميعهم بذلك على نحو قوله :( فأتوا بسورة من مثله ( ( البقرة : ٢٣ ) أي فليأت من يتعهد منهم بالاستماع بحجة. وهذا بمنزلة التذييل للكلام على نحو ما تقدم في قوله :( قل تربصوا فإنى معكم من المتربصين ( ( الطور : ٣١ ) وقوله :( فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين ( ( الطور : ٣٤ ).


الصفحة التالية
Icon