" صفحة رقم ٩٧ "
القاف، وهذا ما درج عليه أكثر المفسرين. وقيل يطلق القاب على ما بين مقبض القوس ( أي وسط عوده المقوس ) وما بين سِيتيْهَا ( أي طرفيها المنعطف الذي يشدّ به الوتَر ) فللقوس قابان وسِيتان، ولعل هذا الإِطلاق هو الأصل للآخر، وعلى هذا المعنى حمل الفراء والزمخشري وابن عطية وعن سعيد بن المسيّب : القاب صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه ولكل قوس قاب واحد.
وعلى كلا التفسيرين فقوله :( قاب قوسين ( أصله قابَيْ قوس أو قَابَيْ قوسين ( بتثنية أحد اللفظين المضاففِ والمضاف إليه، أو كليهما ) فوقع إفراد أحد اللفظين أو كليهما تجنباً لثقل المثنى كما في قوله تعالى :( إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ( ( التحريم : ٤ ) أي قلباكما.
وقيل يطلق القوس في لغة أهل الحجاز على ذِراع يذرع به ( ولعله إذن مصدر قاس فسمي به ما يقاس به ).
والقوس : آلة من عُودِ نَبْع، مقوسة يشد بها وتَر من جِلد ويرمي عنها السهام والنشاب وهي في مقدار الذراع عند العرب.
وحاصل المعنى أن جبريل كان على مسافة قوسين من النبي ( ﷺ ) الدال عليه التفريع بقوله :( فأوحى إلى عبده ما أوحى (، ولعل الحكمة في هذا البعد أن هذه الصفة حكاية لصورة الوحي الذي كان في أوائل عهد النبي ( ﷺ ) بالنبوءة فكانت قُواه البشرية يومئذٍ غير معتادة لتحمل اتصال القوة الملكية بها مباشرة رفقاً بالنبي ( ﷺ ) أن لا يتجشم شيئاً يشق عليه، ألا ترى أنه لما اتصل به في غار حراء ولا اتصال وهو الذي عبر عنه في حديثه بالغطّ قال النبي ( ﷺ ) ( فغطّنِي حتى بلغ مني الجَهْد ) ثم كانت تعتريه الحالة الموصوفة في حديث نزول أول الوحي المشار إليها في سورة المدثّر وسورة المزمّل قال تعالى :( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ( ( المزمل : ٥ )، ثم اعتاد اتصال جبريل به مباشرة فقد جاء في حديث عمر بن الخطاب في سؤال جبريل عن الإِيمان والإِسلام والإِحسان والساعة أنه ( جلس إلى النبي ( ﷺ ) فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ) إذ كان النبي ( ﷺ ) أيامئذٍ بالمدينة وقد اعتاد الوحي وفارقته شدته،


الصفحة التالية
Icon