" صفحة رقم ٩٨ "
ولمراعاة هذه الحكمة كان جبريل يتمثل للنبيء ( ﷺ ) في صورة إنسان وقد وصفه عمر في حديث بياننِ الإِيمان والإِسلام بقوله :( إذ دخل علينا رجل شديدُ بياض الثياب شديدُ سواد الشعر لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ) الحديث، وأن النبي ( ﷺ ) قال لهم بعد مفارقته ( يا عمر أتدري من السائل ؟ قال عمر : الله ورسوله أعلم، قال :( فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ).
وقوله :( أو أدنى ( ) أو ( فيه للتخيير في التقدير، وهو مستعمل في التقريب، أي إن أراد أحد تقريب هذه المسافة فهو مخيّر بين أن يجعلها قاب قوسين أو أدنى، أي لا أزيد إشارة إلى أن التقدير لا مبالغة فيه.
وتفريع ) فأوحى إلى عبده ما أوحى ( على قوله :( فتدلى فكان قاب قوسين ( المفرّع على المفرّع على قوله :( علمه شديد القوى (، وهذا التفريع هو المقصود من البيان وما قبله تمهيد له، وتمثيل لأحوال عجيبة بأقرب ما يفهمه الناس لقصد بيان إمكان تلقّي الوحي عن الله تعالى إذ كان المشركون يحيلونه فبينّ لهم إمكان الوحي بوصف طريق الوحي إجمالاً، وهذه كيفية من صور الوحي.
وضمير ) أوحى ( عائد إلى الله تعالى المعلوم من قوله :( إن هو إلا وحي يوحى ( كما تقدم، والمعنى : فأوحى الله إلى عَبده محمد ( ﷺ ) وهذا كاففٍ في هذا المقام لأن المقصود إثبات الإِيحاء لإِبطال إنكارهم إياه.
وإيثار التعبير عن النبي ( ﷺ ) بعنوان ) عبده ( إظهار في مقام الإِضمار في اختصاص الإِضافة إلى ضمير الجلالة من التشريف.
وفي قوله :( ما أوحى ( إبهام لتفخيم ما أوحى إليه.
( ١١، ١٢ )
الأظهر أن هذا ردّ لتكذيب من المشركين فيما بلغهم من الخبر عن رؤية النبي ( ﷺ ) الملَك جبريل وهو الذي يؤذن به قوله بعد :( أفتمارونه على ما يرى ).


الصفحة التالية
Icon