" صفحة رقم ١٠٣ "
النسج الذي حبك عليه في الآية، ليتأتّى الابتداء بضمير المسلمين اهتماماً به وليكون متعلّق الرهبة ذوات المسلمين لتوقع بطشهم وليأتي التمييز المحول عن الفاعل لما فيه من خصوصية الإِجمال مع التفصيل كما تقرر في خصوصية قوله تعالى :( واشتعل الرأس شيباً ( ( مريم : ٤ ) دون : واشتعل شيبُ رأسي. وليتأتى حذف المضاف في تركيب ) من الله (، إذ التقدير : من رهبة الله لأن حذفه لا يحسن إلا إذا كان موقعه متصلاً بلفظ ) رهبة (، إذ لا يحسن أن يقال : لرهبتهم أشد من الله. وانظر ما تقدم عند تفسير قوله تعالى :( إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشدّ خشية في سورة النساء.
فاليهود والمنافقون من شأنهم أن يخشوا الله. أما اليهود فلأنهم أهل دين فَهُم يخافون الله ويحذرون عقاب الدنيا وعقاب الآخرة. وأما المنافقون فهم مشركون وهم يعترفون بأن الله تعالى هو الإِلاه الأعظم، وأنه أولى الموجودات بأن يخشى لأنه ربّ الجميع وهم لا يثبتون البعث والجزاءَ فخشيتهم الله قاصرة على خشية عذاب الدنيا من خسف وقحط واستئصال ونحو ذلك وليس وراء ذلك خشية. وهذا بشارة للنبيء والمسلمين بأن الله أوقع الرعب منهم في نفوس عدوّهم كما قال النبي : نُصِرت بالرعب مسيرة شهر.
ووجه وصف الرهبة بأنها في صدورهم الإِشارة إلى أنها رهبة جدُّ خفيّة، أي أنهم يتظاهرون بالاستعداد لحرب المسلمين ويتطاولون بالشجاعة ليرهبهم المسلمون وما هم بتلك المثابة فأطلع الله رسوله على دخيلتهم فليس قوله : في صدورهم ( وصفاً كاشفاً.
وإذ قد حصلت البشارة من الخبر عن الرعب الذي في قلوبهم ثُنّي عنان الكلام إلى مذمّة هؤلاء الأعداء من جراء كونهم أخوفَ للناس منهم لله تعالى بأن ذلك من قلة فقه نفوسهم، ولو فقهوا لكانوا أخوف لله منهم للناس فنظروا فيما يخلصهم من عقاب التفريط في النظر في دعوة الرسول ( ﷺ ) فعلموا صدقهُ فنجَوا من عواقب كفرهم به في الدنيا والآخرة فكانت رهبتهم من المسلمين هذه الرهبة مصيبة عليهم وفائدة للمسلمين.
فالجملة معترضة بين البيان ومبيّنه.


الصفحة التالية
Icon