" صفحة رقم ١٣٦ "
وقوله :( إن كنتم خرجتم جهاداً في سبيلي وابتغاء مرضاتي ( شرط ذُيّل به النهي من قوله :( لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء ). وهذا مقام يستعمل في مثله الشرطُ بمنزلة التتميم لما قبله دون قصد تعليق ما قبله بمضمون فعل الشرط، أي لا يقصد أنه إذا انتفى فعل الشرط انتفى ما عُلق عَليه كما هو الشأن في الشروط بل يقصد تأكيد الكلام الذي قبله بمضمون فعل الشرط فيكون كالتعليل لِما قبله، وإنما يؤتى به في صورة الشرط مع ثقة المتكلم بحصول مضمون فعل الشرط بحيث لا يُتوقع من السامع أن يحصل منه غيرُ مضمون فعل الشرط فتكون صيغة الشرط مراداً بها التحذير بطريق المجاز المرسل في المركَّب لأن معنى الشرط يلزمه التردد غالباً. ولهذا يؤتى بمثل هذا الشرط إذا كان المتكلم واثقاً بحصول مضمونه متحققاً صحة ما يقوله قبل الشرط. كما ذكر في ( الكشاف ) في قوله تعالى :( إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا إن كنا أول المؤمنين في سورة الشعراء، في قراءة من قرأ إن كنا أول المؤمنين بكسر همزة ( إنْ ) وهي قراءة شاذة فتكون ( إن ) شرطية مع أنهم متحققون أنهم أول المؤمنين فطمعوا في مغفرة خطاياهم لتحققهم أنهم أول المؤمنين، فيكون الشرط في مثله بمنزلة التعليل وتكون أداة الشرط مثل ( إذْ ) أو لام التعليل.
وقد يَأتِي بمثل هذا الشرط مَن يُظهر وجوب العمل على مقتضى ما حصل من فعل الشرط وأن لا يخالَف مقتضاه كقوله تعالى : واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ( ( الأنفال : ٤١ ) إلى قوله :( إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا ( ( الأنفال : ٤١ )، أي فإيمانكم ويقينكم مما أنزلنا يوجبان أن ترضوا بصرف الغنيمة للأصناف المعيّنة من عند الله. ومنه كثير في القرآن إذا تتبعتَ مواقعه.
ويغلب أن يكون فعل الشرط في مثله فعل كون إيذاناً بأن الشرط محقق الحصول.
وما وقع في هذه السورة من هذا القبيل فالمقصود استقرار النهي عن اتخاذ عدوّ الله أولياء وعقب بفرض شرطه موثوق بأن الذين نهوا متلبسون بمضمون فعل الشرط بلا ريب، فكان ذكر الشرط مما يزيد تأكيد الانكفاف.
ولذلك يجَاء بمثل هذا الشرط في آخر الكلام إذ هو يشبه التتميم والتذييل، وهذا من دقائق الاستعمال في الكلام البليغ.