" صفحة رقم ١٥٢ "
فإن نظرنا إلى وصف العدوّ من قوله :( لا تتخذوا عدوي وعدوكم ( وحملناه على حالة معاداة من خالفهم في الدين ونظرنا مع ذلك إلى وصف ) يخرجون الرسول وإياكم (، كان مضمون قوله :( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ( إلى آخره، بياناً لمعنى العداوة المجعولة علة للنهي عن الموالاة وكان المعنى أن مناط النهي هو مجموع الصفات المذكورة لا كل صفة على حيالها.
وإن نظرنا إلى أن وصف العدوّ هو عدوّ الدين، أي مخالفة في نفسه مع ضميمة وصف ) وقد كفروا بما جاءكم من الحق (، كان مضمون ) لا ينهاكم الله ( إلى آخره تخصيصاً للنهي بخصوص أعداء الدين الذين لم يقاتلوا المسلمين لأجل الدين ولم يُخرجوا المسلمين من ديارهم.
وأيَّاً ما كان فهذه الجملة قد أخرجت من حكم النهي القومَ الذين لم يقاتلوا في الدين ولم يُخرجوا المسلمين من ديارهم، واتصال هذه الآية بالآيات التّي قبلها يجعل الاعتبارين سواء فدخل في حكم هذه الآية أصناف وهم حلفاءُ النبي ( ﷺ ) مثل خُزاعة، وبني الحارث بن كعب بن عبد مناةَ بن كنانة، ومزينة كان هؤلاء كلهم مظاهرين النبي ( ﷺ ) ويحبون ظهوره على قريش، ومثل النساء والصبيان من المشركين، وقد جاءت قُتيلة ( بالتصغير ويقال لها : قتلة، مكبراً ) بنت عبد العُزى من بني عامر بن لؤي من قريش وهي أم أسماء بنت أبي بكر الصديق إلى المدينة زائرةً ابنتها وقتيلة يومئذٍ مشركة في المدة التي كانت فيها المهادنة بين رسول الله ( ﷺ ) وبين كفار قريش بعد صلح الحديبية ( وهي المدة التي نزلت فيها هذه السورة ) فسألت أسماءُ رسول الله ( ﷺ ) أتصِل أمها ؟ قال :( نعم صِلي أُمَّككِ )، وقد قيل : إن هذه الآية نزلت في شأنها.
وقوله :( أن تبروهم ( بدل اشتمال من ) الذين لم يقاتلوكم في الدين ( الخ، لأن وجود ضمير الموصول في المبدل وهو الضمير المنصوب في ) أن تبروهم ( يجعل بر المسلمين بهم مما تشتمل عليه أحوالهم. فدخل في الذين لم يقاتلوا المسلمين في الدين نَفر من بني هاشم منهم العباس بن عبد المطلب، والذينَ شملتهم أحكام هذه الآية كلّهم قد قيل إنهم سبب نزولها وإنما هو شمول وما هو بسبب نزول.


الصفحة التالية
Icon