" صفحة رقم ٢١٦ "
) وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه للإِشارة إلى أن زعمهم هذا لما كان باطلاً بالدلائل كان بمنزلة الشيء الذي يفرض وقوعه كما يفرض المستبعد وكأنه ليس واقعاً على طريقة قوله تعالى : أفنضرب عنكم الذكر صفحاً إن كنتم قوماً مسرفين ( ( الزخرف : ٥ ) ويفيد ذلك توبيخاً بطريق الكناية.
والمعنى : إن كنتم صادقين في زعمكم فتمنوا الموت. وهذا إلجاء لهم حتى يلزمهم ثبوت شكهم فيما زعموه.
والأمر في قوله :( فتمنوا ( مستعمل في التعجيز : كناية عن التكذيب مثل قوله تعالى :( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين ( ( آل عمران : ٩٣ ).
ووجه الملازمة بين الشرط وجوابه أن الموْت رجوع الإِنسان بروحه إلى حياة أبدية تظهر فيها آثار رضى الله عن العبد أو غضبه ليجزيه على حسب فعله.
والنتيجة الحاصلة من هذا الشرط تُحَصِّلُ أنهم مثل جميع الناس في الحياتين الدنيا والآخرة وآثارهما، واختلاففِ أحواللِ أهلهما، فيعلم من ذلك أنهم ليسوا أفضل من الناس. وهذا ما دل عليه قوله تعالى :( وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق ( ( المائدة : ١٨ ).
وبهذا يندفع ما قد يعرض للناظر في هذه الآية من المعارضة بينها وبين ما جاء في الأخبار الصحيحة من النهي عن تمني الموت. وما روي أن النبي ( ﷺ ) قال :( من أحبَّ لقاء الله أحب الله لقاءه ومن كَره لقاء الله كره الله لقاءه )، فقالت عائشة :( إنا نكره الموت فقال لها ليس ذلك ) الحديث. وما روي عنه أنه قال :( ارسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه فرجع إلى ربه فقال أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت ) إلى قوله :( قال موسى فالآن ).
ذلك أن شأن المؤمنين أن يكونوا بين الرجاء والخوف من الله، وليسوا يتوهمون أن الفوز مضمون لهم كما توهم اليهود.
فما تضمنته هذه الآية حكاية عن حال اليهود الموجودين يومئذٍ، وهم عامة غلبت عليهم الأوقام والغرور بعد انقراض علمائهم، فهو حكايه عن مجموع قوم، وأما الأَخبار التي أوردناها فوصف لأحوال معيّنة وأشخاص معينين فلا