" صفحة رقم ٢٦٥ "
اختلال تلك الملابسة في بعض الأحوال. وتخلّف الجزاء عن الأعمال في الدنيا مشاهد إذ كثيراً ما نرى الصالحين في كرب ونرى أهل الفساد في نعمة، فلو كانت هذه الحياة الدنيا قصارى حياة المكلفين لكان كثيرٌ من أهل الصلاح غيرَ لاقٍ جزاءً على صلاحه. وانقلب أكثر أهل الفساد متمتعاً بإرضاء خباثة نفسه ونوال مشتهياته، فكان خلق كلا هذين الفريقين غيرَ ملابس للحق، بالمعنى المراد.
ولزيادة الإِيقاظ لهذا الإِيمان عطف عليه قوله : وإليه المصير ( وكل ذلك توطئة إلى ما سبقه من قوله تعالى :( زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ( ( التغابن : ٧ ) الآية.
وفي قوله ) بالحق ( رمز إلى الجزاء وهو وعيد ووعد.
وفي قوله :( خلق السماوات ( إلى آخره إظهار أيضاً لعظمة الله في ملكوته.
إدماج امتنان على الناس بأنهم مع ما خلقوا عليه من ملابسة الحق على وجه الإِجمال وذلك من الكمال وهو ما اقتضته الحكمة الإِلاهية فقد خُلقوا في أحسن تقويم إذ كانت صورة الإِنسان مستوفية الحسن متماثلة فيه لا يعتورها من فظاعة بعض أجزائها ونقصان الانتفاع بها ما يُناكد محاسن سائرها بخلاف محَاسن أحاسن الحيوان من الدواب والطيرِ والحيتان من مَشي على أرْبَع مع انتكاس الرأس غالباً، أو زحف، أو نقز في المشي في البعض.
ولا تَعْتَوِرُ الإِنسان نقائصُ في صورته إلا من عوارضَ تعرض في مدة تكوينه من صَدَمَات لبطون الأمهات، أو علل تحلّ بهن، أو بالأجنة أو من عوارض تعرض له في مدة حياته فتشوه بعض محاسن الصور. فلا يعد ذلك من أصل تصوير الإِنسان على أن ذلك مع ندرته لا يعد فظاعة ولكنه نقص نسبي في المحاسن فقد جمع بين الإِيماء إلى ما اقتضته الحكمة قد نبههم إلى ما اقتضاه الإِنعام. وفيه إشارة إلى دليل إمكان البعث كما قال :( أفعيينا بالخلق الأول ( ( ق : ١٥ )، وقال :( أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ( ( يس : ٨١ ).


الصفحة التالية
Icon