" صفحة رقم ٢٧٦ "
فليست مادة التغابن في قوله :( يوم التغابن ( مستعملة في حقيقتها إذ لا تعارض حتى يكون فيه غبن بل هو مستعمل في معنى الخسران على وجه المجاز المرسل.
وأما صيغة التفاعل فحملها جمهور المفسرين على حقيقتها من حصول الفعل من جانبين ففسروها بأن أهل الجنة غبنوا أهل النار إذ أهل الجنة أخذوا الجنة وأهل جهنم أخذوا جهنم قاله مجاهد وقتادة والحسن. فحمل القرطبي وغيره كلام هؤلاء الأيمة على أن التغابن تمثيل لحال الفريقين بحال مُتَبايَعَيْن أخذ أحدهما الثمن الوافيَ، وأخذ الآخر الثمنَ المغبون، يعني وقوله عقبه ) ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً نكفر عنه سيئاته (، إلى قوله :( وبئس المصير ( قرينة على المراد من الجانبين وعلى كلا المعنيين يكون قوله :( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً ( إلى قوله :( وبئس المصير ( تفصيلاً للفريقين، فيكون في الآية مجاز وتشبيه وتمثيل، فالمجاز في مادة الغبن، والتمثيل في صيغة التغابن، وهو تشبيه مركب بمنزلة التشبيه البليغ إذ التقدير : ذلك يوم مِثْل التغَابن.
وحمل قليل من المفسرين ( وهو ما فسر إليه كلام الراغب في مفرداته ) وصرح ابن عطية صيغَة التفاعل على معنى الكثرة وشدة الفعل ( كما في قولنا : عافاك الله وتبارك الله ) فتكون استعارة، أي خسارة للكافرين إذ هم مناط الإِنذار. وهذا في معنى قوله تعالى :( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم في سورة البقرة، وقوله : يأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم الآية في سورة الصف.
فصيغة التفاعل مستعملة مجازاً في كثرة حصول الغبن تشبيهاً للكثرة بفعل من يحصل من متعدد.
والكلام تهديد للمشركين بسوء حالتهم في يوم الجمع، إذ المعنى : ذلك يوم غبنكم الكثير الشديد بقرينة قوله قبله فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا ( ( التغابن : ٨ ). والغابن لهم هو الله تعالى.
ولولا قصد ذلك لما اقتصر على أن ذلك يوم تغابن فإن فيه ربحاً عظيماً للمؤمنين


الصفحة التالية
Icon