" صفحة رقم ٣٤٦ "
افتتاح السورة بخطاب النبي ( ﷺ ) بالنداء تنبيه على أن ما سيذكر بعده مما يهتم به النبي ( ﷺ ) والأمة ولأن سبب النزول كان من علائقه.
والاستفهام في قوله :( لم تحرم ( مستعمل في معنى النفي، أي لا يوجد ما يدعو إلى أن تحرّم على نفسك ما أحلّ اللَّه لك ذلك أنه لما التزم عدم العود إلى ما صدر منه التزاماً بيمين أو بدون يمين أراد الامتناع منه في المستقبل قاصداً بذلك تطمين أزواجه اللاء تمالأْنَ عليه لِفرط غيرتهن، أي ليست غيرتهن مما تجب مراعاته في المعاشرة إن كانت فيما لا هضم فيه لحقوقهن، ولا هي من إكرام إحداهن لزوجها إن كانت الأخرى لم تتمكن من إكرامه بمثل ذلك الإِكرام في بعض الأيام.
وهذا يومىء إلى ضبط ما يراعى من الغيرة وما لا يراعَى.
وفعل ) تحرم ( مستعمل في معنى : تجعل ما أحلّ لك حراماً، أي تحرّمه على نفسك كقوله تعالى :( إلا ما حرم إسرائيل على نفسه ( ( آل عمران : ٩٣ ) وقرينتهُ قوله هنا :( ما أحل الله لك ).
وليس معنى التحريم هنا نسبة الفعل إلى كونه حراماً كما في قوله تعالى :( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ( ( الأعراف : ٣٢ )، وقوله :( يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ( ( التوبة : ٣٧ )، فإن التفعيل يأتي بمعنى التصبير كما يقال : وسِّعْ هذا الباب ويأتي بمعنى إيجاد الشيء على حالة مثل ما يقال للخياط : وسِّعْ طَوْق الجبّة.
ولا يخطر ببال أحد أن يتوهم منه أنك غيّرت إباحته حراماً على الناس أو عليك. ومن العجيب قول ( الكشاف ) : ليس لأحد أن يُحرّم ما أحلّ الله لأن الله إنما أحله لمصلحة عرفها في إحلاله إلخ.
وصيغة المضارع في قوله :( لم تحرم ( لأنه أوقع تحريماً متجدداً.
فجملة ) تبتغي ( حال من ضمير ) تحرم ). فالتعجيب واقع على مضمون الجملتين مثل قوله :( لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة ( ( آل عمران : ١٣٠ ).
وفي الإِتيان بالموصول في قوله :( ما أحل الله لك ( لما في الصلة من الإِيماء إلى تعليل الحكم هو أن ما أحله الله لعبده ينبغي له أن يتمتع به ما لم يعرض له ما


الصفحة التالية
Icon