" صفحة رقم ٣٥٤ "
والاستفهام حقيقي ولك أن تجعله للتعجب من علمه بذلك.
وفي هذا كفاية من تيقظها بأن إفشاءها سرّ زوجها زَلة خُلقية عظيمة حجبها عن مراعاتها شدة الصفاء لعائشة وفرط إعجابها بتحريم مارية لأجلها، فلم تتمالك عن أن تبشر به خليلتها ونصيرتها ولو تذكرت لتبين لها أن مقتضى كتم سرّ زوجها أقوى من مقتضى إعلامها خليلتها فإن أواصر الزوجية أقوى من أواصر الخلة وواجب الإِخلاص لرسول الله أعلى من فضيلة الإِخلاص للخلائل.
وهذا هو الأدب السادس من معاني الآداب التي اشتملت عليها القصة وأجملنا ذكرها آنفاً.
وإيثار وصفي ) العليم الخبير ( هنا دون الاسم العَلَم لما فيهما من التذكير بما يجب أن يعلمه الناس من إحاطة الله تعالى علماً وخُبْراً بكل شيء.
و ) العليم ( : القوي العلم وهو في أسمائه تعالى دالّ على أكمل العلم، أي العلم المحيط بكل معلوم.
و ) الخبير ( : أخص من العليم لأنه مشتق من خبر الشيء إذا أحاط بمعانيه ودخائله ولذلك يُقال خبرته، أي بلوته وتطلعتُ بواطن أمره، قال ابن بُرَّجان ( بضم الموحدة وبجيم مشددة ) في ( شرح الأسماء ) :( الفرق بين الخُبر والعلم وسائر الأشياء الدالة على صفة العلم أن تتعرف حصول الفائدة من وجه وأضِف ذلك إلى تلك الصفة وسَم الفائدة بذلك الوجه الذي عنه حَصَلَتْ فمتى حصلت من موضع الحُضور سميت مشاهدة والمتصف بها هو الشاهد والشهيد. وكذلك إن حصلت من وجه سمع أو بصر فالمتصف بها سميع وبصير. وكذلك إن حصَلت من عِلْم أو علامة فهو العلم والمتصف به العالم والعليم، وإن حصلت عن استكشاف ظاهر المخبُور عن باطنه بِبَلوى أو امتحان أو تجربة أو تبليغ فهو الخبْر. والمسمّى به الخبير ) اه. وقال الغزالي في ( المقصد الأسنى ) :( العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة سمي خِبرة وسمي صاحبها خبيراً اه ).
فيتضح أن أتباع وصف ) العليم ( بوصف ) الخبير ( إيماء إلى أن الله علم دخيلة المخاطبة وما قصدته من إفشاء السرّ للأخرى.


الصفحة التالية
Icon