" صفحة رقم ٣٥٥ "
وقد حصل من هذا الجواب تعليمها بأن الله يطلع رسول ( ﷺ ) على ما غاب إن شاء قال تعالى :( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً إلا من ارتضى من رسول ( ( الجن : ٢٦، ٢٧ ) وتنبيهاً على ما أبطنته من الأمر.
وهو الأدب السابع من آداب هذه الآيات.
واعلم أن نبّأ وأنبأ مُترادفان وهما بمعنى أخبر وأن حقهما التعدية إلى مفعول واحد لأجل ما فيهما من همزة تعدية أو تضعيف. وإن كان لم يسمع فعل مجرد لهما وهو مما أميت في كلامهم استغناء بفعل علم. والأكثر أن يتعديا إلى ما زاد على المفعول بحرف جر نحو : نَبأتُ به. وقد يحذف حرف الجر فيعدّيان إلى مفعولين، كقوله هنا :( من أنبأك هذا ( أي بهذا، وقول الفرزدق :
نبئت عبد الله بالجو أصبحت
كراماً مواليها لآماً ما صميمها
حمله سيبويه على حذف الحرف.
وقد يضمنان معنى : اعلم، فيعديان إلى ثلاثة مفاعيل كقول النابغة :
نبئت زرعة والسفاهة كاسمها
يهدي إليّ غرائب الأشعار
ولكثرة هذا الاستعمال ظن أنه معنى لهما وأغفل التضمين فنسب إلحاقهما ب ( اعلم ) إلى سيبويه والفارسي والجرجاني وألْحَق الفراء خبّر وأخبر، وألحق الكوفيون حدَّث.
قال زكريا الأنصاري : لم تسمع تعديتها إلى ثلاثة في كلام العرب إلا إذا كانت مبنية إلى المجهول.
وقرأ الجمهور ) عرف ( بالتشديد. وقرأه الكسائي ) عَرَف ( بتخفيف الراء، أي علم بعضه وذلك كناية عن المجازاة، أي جازى عن بعضه التي أفشته باللوم أو بالطلاق على رواية أن رسول الله ( ﷺ ) طلق حفصة ولم يصح وقد يكنى عن التوعد بفعل العلم. ونحوه كقوله تعالى :( أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم ( ( النساء : ٦٣ ). وقول العرب للمسيء : لأعرفن لك هذا. وقولك : لقد عرفت ما صنعت.


الصفحة التالية
Icon