" صفحة رقم ٣٦٩ "
وتصح التوبة من ذنب دون ذنب خلافاً لأبي هاشم الجبائي المعتزلي، وذلك فيما عدا التوبة من الكفر.
وأما التوبة من الكفر بالإِيمان فصحيحة في غفران إثم الكفر ولو بقي متلبساً ببعض الكبائر بإجماع علماء الإِسلام.
والذنوب التي تجب منها التوبة هي الكبائر ابتداء، وكذلك الصغائر وتمييز الكبائر من الصغائر مسألة أخرى محلها أصول الدين وأصول الفقه والفقهُ.
إلا أن الله تفضّل على المسلمين فغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر، أخذ ذلك من قوله تعالى :( الذين يجتنبون كبائر الإِثم والفواحش إلا اللمم وقد مضى القول فيه في تفسير سورة النجم.
ولو عاد التائب إلى بعض الذنوب أو جميعها ما عدا الكفر اختلف فيه علماء الأمة فالذي ذهب إليه أهل السنة أن التوبة تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب في خصوص الذنب المعود إليه ولا تنتقض فيما سواه. وأن العود معصية تجب التوبة منها. وقال المعتزلة : تنتقض بالعودة إلى بعض الذنوب فتعود إليه ذنوبه ووافقهم الباقلاني.
وليس في أدلة الكتاب والسنة ما يشهد لأحد الفريقين.
والرجاء المستفاد من فعل عسى ( مستعمل في الوعد الصادر عن المتفضل على طريقة الاستعارة وذلك التائب لا حق له في أن يعفى عنه ما اقترفه لأن العصيان قد حصل وإنما التوبة عزم على عدم العودة إلى الذنب ولكن ما لصاحبها من الندم والخوف الذي بعث على العزم دل على زكاء النفس فجعل الله جزاءه أن يمحو عنه ما سلف من الذنوب تفضلاً من الله فذلك معنى الرجاء المستفاد من ) عسى ).
وقد أجمع علماء الإِسلام على أن التوبة من الكفر بالإِيمان مقبولة قطعاً لكثرة أدلة الكتاب والسنة، واختلفوا في تعيُّن قبول توبة العاصي من المؤمنين، فقال جمهور أهل السنة : قبولها مرجوّ غير مقطوع، وممن قال به الباقلاني وإمام الحرمين وعن الأشعري أنه مقطوع به سمعاً، والمعتزلة مقطوع به عقلاً.
وتكفير السيئات : غفرانها، وهو مبالغة في كَفَر المخفف المتعدي الذي هو مشتق من الكَفر بفتح الكاف، أي الستر.


الصفحة التالية
Icon