" صفحة رقم ٣٧٢ "
تعتذروا اليوم ( ( التحريم : ٧ )، وتعريضاً بقوله :( يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ( ( التحريم : ٨ )، أمَرَ رسولَه ( ﷺ ) بمسمع منهم بأن يجاهدهم ويجاهد المستترين لكفرهم بظاهر الإِيمان نفاقاً، حتى إذا لم تؤثر فيهم الموعظة بعقاب الآخرة يخشون أن يسلط عليهم عذاب السيف في العاجلة فيقلعوا عن الكفر فيصلح نفوسهم وإنما أمر رسوله ( ﷺ ) بذلك لأن الكفار تألبُوا مع المنافقين بعد هجرة النبي ( ﷺ ) فاتخذوهم عيوناً لهم وأيدي يدسُّون بها الأذى للنبيء ( ﷺ ) وللمؤمنين.
فهذا نداء ثان للنبيء ( ﷺ ) يأمره بإقامة صلاح عموم الأمة بتطهيرها من الخبثاء بعد أن أمره بإفاقة من عليهما الغفلة عن شيء من واجب حسن المعاشرة مع الزوج.
وجهاد الكفار ظاهر، وأما عطف ) المنافقين ( على ) الكفار ( المفعول ل ) جاهد ( فيقتضي أن النبي ( ﷺ ) مأمور بجهاد المنافقين وكان حال المنافقين ملتبساً إذ لم يكن أحد من المنافقين معلناً بالكفر ولا شُهد على أحد منهم بذلك ولم يعين الله لرسوله ( ﷺ ) منافقاً يوقن بنفاقه وكفره أو أطلعه إطلاعاً خاصاً ولم يأمره بإعلانه بين المسلمين كما يؤخذ ذلك من أخبار كثيرة في الآثار.
فتعين تأويل عطف ) المنافقين ( على ) الكفار ( إما بأن يكون فعل ) جاهد ( مستعملاً في حقيقته ومجازه وهما الجهاد بالسيف والجهاد بإقامة الحجة والتعريض للمنافق بنفاقه فإن ذلك يطلق عليه الجهاد مجازاً كما في قوله ( ﷺ ) ( رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر )، وقوله للذي سأله الجهاد فقال له :( ألك أبوان ؟ قال : نعم، قال : ففيهما فجاهد ).
وعندي أن الأقرب في تأويل هذا العطف أن يكون المراد منه إلقاء الرعب في قلوب المنافقين ليشعروا بأن النبي ( ﷺ ) والمؤمنين بالمرصاد بهم فلو بدت من أحدهم بادرة يعلم منها نفاقه عومل معاملة الكافر في الجهاد بالقتل والأسر فيحذروا ويكفوا عن الكيد للمسلمين خشية الافتضاح فتكون هذه الآية من قبيل قوله تعالى :( لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً ( ( الأحزاب : ٦٠، ٦١ ).


الصفحة التالية
Icon