" صفحة رقم ٦٦ "
من ديارهم عليه تعالى وهو قصر ادعائي لعدم الاعتداد بسعي المؤمنين في ذلك الإِخراج ومعالجتهم بعض أسبابه كتخريب ديار بني النضير.
ولذلك فَجملة ) ما ظننتم أن يخرجوا ( تتنزل منزلة التعليل لجملة القصر.
وجملة ) وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم ( عطف على العلة، أي وهم ظنوا أن المسلمين لا يغلبونهم. وإنما لم يقل : وظنوا أن لا يُخرَجوا. مع أن الكلام على خروجهم، من قوله تعالى :( هو الذي أخرج الذين كفروا ( فعدل عنه إلى ) وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم ( أي مانعتهم من إخراجهم استغناء عن ذكر المظنون بذكر علة الظن. والتقدير : وظنوا أن لا يخرجوا لأنهم تمنعهم حصونهم، أي ظنوا ظناً قوياً معتمدين على حصونهم.
والمراد ب ) الذين كفروا من أهل الكتاب ( بنو النضير ( بوزن أمير ) وهم قبيلة من اليهود استوطنوا بلاد العرب هم وبنو عمهم قُريظة، ويهودُ خَيبر، وكلهم من ذرية هَارون عليْه السلام وكان يقال لبني النضير وبني قريظة : الكاهنان لأن كل فريق منهما من ذرية هارون وهو كاهن الملة الإسرائيلية، والكهانة : حفظ أمور الديانة بيده ويد أعقابه.
وقصة استيطانهم بلاد العرب أن موسى عليه السلام كان أرسل طائفة من أسلافهم لقتال العماليق المجاورين للشام وأرض العرب فقصَّروا في قتالهم وتوفي موسى قريباً من ذلك. فلما علموا بوفاة موسى رجعوا على أعقابهم إلى ديار إسرائيل في أريحَا فقال لهم قومهم : أنتم عصيتم أمر موسى فلا تدخلوا بلادنا، فخرجوا إلى جزيرة العرب وأقاموا لأنفسهم قُرى حول يثرب ( المدينة ) وبنوا لأنفسهم حصُوناً وقرية سَموها الزَّهرة. وكانت حصونهم خمسة سيأتي ذكر أسمائها في آخر تفسير الآية، وصاروا أهل زرع وأموال. وكان فيهم أهل الثراء مثل السموأل بن عَادِيا، وكَعب بن الأشرف، وابن أبي الحُقَيق، وكان بينهم وبين الأوس والخزرج حِلف ومعاملة، فكان من بطون أولئك اليهود بنو النضير وقريظة وخيبر.
ووسموا ب ) الذين كفروا ( لأنهم كفروا بمحمد ( ﷺ ) تسجيلاً عليهم بهذا الوصف الذميم وقد وُصفوا ب ) الذين كفروا في قوله تعالى : ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا