" صفحة رقم ١٠٦ "
والمعنى : أن الله أنعم عليه بأن أنبت عليه شجرة اليقطين كما في سورة الصافات.
وأُدمج في ذلك فضل التوبة والضراعة إلى الله، وأنه لولا توبته وضراعته إلى الله وإنعام الله عليه نعمة بعدَ نعمة لقذفه الحوت من بطنه ميتاً فأخرجه الموج إلى الشاطىء فلكان مُثْلة للناظرين أو حيّاً منبوذاً بالعراء لا يجد إسْعافاً، أو لَنجا بعد لأي والله غاضب عليه فهو مذموم عند الله مسخوط عليه. وهي نعم كثيرة عليه إذ أنقذه من هذه الورطات كلها إنقاذاً خارقاً للعادة.
وهذا المعنى طوي طياً بديعاً وأشير إليه إشارة بليغة بجملة ) لولا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء وهو مذموم.
وطريقة المفسرين في نشر هذا المطوي أن جملة وهو مذموم ( في موضع الحال وأن تلك الحال قيد في جواب ) لَولا (، فتقدير الكلام : لولا أن تداركه نعمة من ربّه لنبذ بالعراء نبذاً ذميماً، أي ولكن يونس نبذ بالعراء غيرَ مذموم.
والذي حملهم على هذا التأويل أن نبذه بالعراء واقع فلا يستقيم أن يكون جواباً للشرط لأن ) لولا ( تقتضي امتناعاً لوُجودٍ، فلا يكون جوابها واقعاً فتعين اعتبار تقييد الجواب بجملة الحال، أي انتفى ذمه عند نبذه بالعراء.
ويلوح لي في تفصيل النظم وجه آخر وهو أن يكون جواب ) لولا ( محذوفاً دل عليه قوله ) وهو مكظوم ( مع ما تفيده صيغة الجملة الاسمية من تمكن الكظم كما علمت آنفاً، فتلك الحالة إذا استمرت لم يحصل نبذه بالعراء، ويكون الشرط ب ) لولا ( لاحقاً لجملة ) إذ نادى وهو مكظوم (، أي لبقي مكظوماً، أي محبوساً في بطن الحوت أبداً، وهو معنى قوله في سورة الصافات ( ١٤٣ ١٤٤ ) ) فلولا أنه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون (، وتجعل جملة ) لَنُبِذ بالعراء وهو مذموم ( استئنافاً بيانياً ناشئاً عن الإِجمال الحاصل من موقع ) لَولا ).
واللام فيها لام القسم للتحقيق لأنه خارق للعادة فتأكيده لرفع احتمال المجاز. والمعنى : لقد نبذ بالعراء وهو مذموم. والمذموم : إمّا بمعنى المذنب لأن الذنب يقتضي الذمَّ في العاجل والعقاب في الآجل، وهو معنى قوله في آية الصافات


الصفحة التالية
Icon