" صفحة رقم ١٣٩ "
والحض على الشيء : أن يَطْلُبَ من أحد فعلَ شيء ويُلِحّ في ذلك الطلب.
ونفي حضه على طعام المسكين يقتضي بطريق الفحوى أنه لا يُطعم المسكين من ماله لأنه إذا كان لا يأمر غيره بإطعام المسكين فهو لا يطعمه من ماله، فالمعنى لا يطعم المسكين ولا يأمر بإطعامه، وقد كان أهل الجاهلية يطعمون في الولائم، والميسر، والأضيَاف، والتحابُب، رياء وسُمعة. ولا يطعمون الفقير إلاّ قليلاً منهم، وقد جُعل عدم الحض على طعام المسكين مبالغة في شح هذا الشخص عن المساكين بمال غيره وكناية عن الشحّ عنهم بماله، كما جُعل الحرص على إطعام الضيف كناية عن الكرم في قول زينب بنت الطَّثَرِيَّةِ ترثي أخاها يزيدَ :
إذا نَزل الأضياف كان عَذَوَّراً
على الحَي حتى تَستقل مَراجِلُه
تريد أنه يحضر الحي ويستعجلهم على نصف القدور للأضياف حتى توضع قدور الحي على الأثافي ويَشرعوا في الطبخ، والعَذوَّر بعين مهملة وذال معجمة كعملَّس : الشكِس الخُلق.
إلاّ أن كناية ما في الآية عن البخل أقوى من كناية ما في البيت عن الكرم لأن الملازمة في الآية حاصلة بطريق الأولوية بخلاف البيت.
وإذ قد جُعل عدم حضه على طعام المسكين جزء علة لشدة عذابه، علمنا من ذلك موعظة للمؤمنين زاجرة عن منع المساكين حقهم في الأموال وهو الحق المعروف في الزكاة والكفارات وغيرها.
وقوله :( فليس له اليوم ههنا حميم ( من تمام الكلام الذي ابتدىء بقوله ) خذوه، ( وتفريع عليه.
والمقصود منه أن يسمعه من أوتي كتابه بشماله فييأس من أن يجد مدافعاً يدفع عنه بشفاعة، وتنديمٌ له على ما أضاعه في حياته من التزلف إلى الأصنام وسدنتها وتمويههم عليه أنه يجدهم عند الشدائد وإلمام المصائب. وهذا وجه تقييد نفي الحميم ب ) اليوم ( تعريضاً بأن أحِمَّاءهم في الدنيا لا ينفعونهم اليوم كما قال تعالى :( ثم نقول للذين أشركوا أيْن شركاؤكم الذين كنتم تزعمون ( ( الأنعام : ٢٢ ) وقوله عنهم ) فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا ( ( الأعراف : ٥٣ ) وغير ذلك مما تفوق في آي القرآن.


الصفحة التالية
Icon