" صفحة رقم ١٦٩ "
والبديع صلاحية للوفاء بالتدبير الصالح المنوط بعهدة الإنسان، وصلاحيةً لإِفساد ذلك أو بعثرته.
غير أن الله جعل للإِنسان عقلاً وحكمة إن هو أحسن استعمالهما نَخَلَتْ صفاته، وثقَّفت من قناتِه، ولم يُخْلِه من دعاة إلى الخير يصفون له كيف يَريض جامح نفْسه، وكيف يُوفق بين إدراكه وحِسّه، وهؤلاء هم الرسل والأنبياء والحكماء.
فإذا أُخبر عن الإِنسان بشدة تلبسه ببعض النقائص وجُعل ذلك في قالب أنه جبل عليه فالمقصود من ذلك : إلقاء تَبِعة ذلك عليه لأنه فرط في إِراضة نفسه على ما فيها من جبلة الخير، وأرخى لها العنان إلى غاية الشر، وفرط في نصائح الشرائع والحكماء.
وإذا أُسند ما يأتيه الإِنسان من الخير إلى الله تعالى فالمقصود : التنبيه إلى نعمة الله عليه بخلق القوة الجالبة للخير فيه، ونعمة إرشاده وإيقاظه إلى الحق، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى :( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ( ( النساء : ٧٩ ) عقب قوله :( قلْ كلٌّ من عند الله فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً ( ( النساء : ٧٨ ). وفي هذا المجال زلت أفهام المعتزلة، وحَلِكَتْ عليهم الأجواء، ففكروا وقدَّروا، وما استطاعوا مخلصاً وما قدَروا.
واعلم أن كلمة ( خُلق الإنسان ) إذا تعلق بها ما ليس من المواد مثل ) إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمْشاج ( ( الإنسان : ٢ ) بل كان من الأخلاق والغرائز قد يُعنى بها التنبيه على جبلة الإِنسان وأنها تسرع إلى الاعتلاق بمشاعره عند تصرفاته تعريضاً بذلك لوجوب الحذر من غوائلها نحو ) خلق الإنسان من عَجل ( ( الأنبياء : ٣٧ ) ) إن الإِنسان خلق هلوعاً (، وقد ترد للعذر والرفق نحو قوله :( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإِنسان ضعيفاً ( ( النساء : ٢٨ )، وقد ترد لبيان أصل ما فُطر عليه الإِنسان ومَا طرأ عليه من سوء تصرفه في أفعاله كما في قوله تعالى :( لقد خلقنا الإِنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين ( ( التين : ٤ ٥ ) ففعل الخلق من كذا مستعار لكثرة الملابسة. قال عروة بن أذَيْنَة :
إن التي زَعَمَتْ فؤادَك ملّها
خُلِقَتْ هواك كما خُلِقْتَ هوًى لها


الصفحة التالية
Icon