" صفحة رقم ٢٢٨ "
وقوله :( وإنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع ( الخ قرأه بكسر الهمزة الذين قرأوا بالكسر قوله :( وإنّا لمسنا السماء ( وبفتح الهمزة الذين قرأوا بالفتح وهذا من تمام قولهم :( وإنّا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرساً شديداً وشهباً ). وإنما أعيد معه كلمة ) وإنا ( للدلالة على أن الخبر الذي تضمنه هو المقصود وأن ما قبله كالتوطئة له فإعادة ) وإنا ( توكيد لفظي.
وحقيقة القعود الجلوس وهو ضد القيام، أي هو جعل النصف الأسفل مباشراً للْارض مستقراً عليها وانتصاب النصف الأعلى. وهو هنا مجاز في ملازمة المكان زمناً طويلاً لأن ملازمة المكان من لوازم القعود ومنه قوله تعالى :( واقْعدوا لهم كل مرصد ( ( التوبة : ٥ ).
والمقاعد : جمع مقعد وهو مفعل للمكان الذي يقع فيه القعود، وأطلق هنا على مكان الملازمة فإن القعود يطلق على ملازمة الحصول كما في قول امرىء القيس :
فقلت يمين الله أبرح قاعداً
واللام في قوله :( للسمع ( لام العلة أي لأجل السمع، أي لأن نسمع ما يجري في العالم العلوي من تصاريف الملائكة بالتكوين والتصريف، ولعل الجن منساقون إلى ذلك بالجبلة كما تنساق الشياطين إلى الوسوسة، وضمير ) منها ( للسماء.
و ( من ) تبعيضية، أي من ساحاتها وهو متعلق ب ) نقعد (، وليس المجرور حالاً من ) مَقاعَد ( مقدَّماً على صاحبه لأن السياق في الكلام على حالهم في السماء فالعناية بمتعلق فعل القعود أولى، ونظيره قول كعب :
يمشي القراد عليها ثم يزلقه
مِنْها لبان وأقرب زهاليل
فقوله ( منها ) متعلق بفعل ( يُزلقه ) وليس حالاً من ( لَبان ).
وأعلم أنه قد جرى على قوله تعالى :( مقاعد للسمع ( مبحث في مَباحِث فصاحة الكلمات نسبه ابن الأثير في ( المثل السائر ) إلى ابن سنان الخفاجي فقال : إنه قد يجيء من الكلام ما معه قرينُهُ فأوجبَ قبحه كقول الرضي في رثاء الصابي :
أعزِزْ عليَّ بأن أراك وقد خَلا
عن جانبيْكَ مَقَاعِدُ العُوَّاد
فإن إيراد هذه اللفظة ( أي مقاعد ) في هذا الموضع صحيح إلاّ أنه يوافق ما