" صفحة رقم ٢٥٧ "
السماء والأرض فرجع إلى خديجة يرجف فؤاده فقال :( دثروني )، فيتعين أن سبب ندائه ب ) يا أيها المزمل ( كان عند قوله :( زَمِّلِوني )، فذلك عندما اغتمّ من وصف المشركين إياه بالجنون وأن ذلك غير سبب ندائه ب ) يا أيها المدثر في سورة المدثر.
وقيل : هو تزمُّل للاستعداد للصلاة فنودي يا أيها المزمل قم اللّيل إلاّ قليلاً ( وهذا مروي عن قتادة. وقريب منه عن الضحاك وهي أقوال متقاربة.
ومحملها على أن التزمُّل حقيقة، وقال عكرمة : معناه زُمِّلْتَ هذا الأمر فقم به، يريد أمر النبوءة فيكون قوله :( الليل إلاّ قليلاً ( مع قوله :( إن لك في النهار سبحاً طويلاً ( ( المزمل : ٧ ) تحريضاً على استفراغ جهده في القيام بأمر التبليغ في جميع الأزمان من ليل ونهار إلاّ قليلاً من الليل وهو ما يضطر إليه من الهجوع فيه. ومحمل التزمل عنده على المجاز.
فإذا كانت سورة المزمل قد أنزلت قبل سورة المدثر كان ذلك دالاً على أن الله تعالى بعد أن ابتدأ رسوله بالوحي بصدر سورة ) اقرأ باسم ربك ( ( العلق : ١ ) ثم أنزل عليه سورة القلم لدحض مقالة المشركين فيه التي دبرها الوليد بن المغيرة أن يقولوا : إنه مجنون.
أنزل عليه التلطف به على تزمله بثيابه لما اعتراه من الحزن من قول المشركين فأمره الله بأن يدفع ذلك عنه بقيام الليل، ثم فتر الوحي فلما رأى المَلَكَ الذي أرسل إليه بحِراء تدثر من شدة وقع تلك الرؤية فأنزل عليه ) يا أيها المدثر.
فنداء النبي بوصف المزمل ( باعتبار حالته وقت ندائه وَليس المزمل معدوداً من أسماء النبي ( ﷺ ) قال السهيلي : ولم يعرف به وذهب بعض الناس إلى عدّه من أسمائه.
وفعل ) قم ( مُنزل منزلة اللازم فلا يحتاج إلى تقدير متعلق لأن القيام مراد به الصلاة، فهذا قيام مغاير للقيام المأمور به في سورة المدثر بقوله ) قم فأنذر ( ( المدثر : ٢ ) فإن ذلك بمعنى الشروع كما يأتي هنالك.
و ) الليل ( : زمن الظلمة من بعد العشاء إلى الفجر. وانتصب ) الليل ( على