" صفحة رقم ٢٥٨ "
الظرفية فاقتضى الأمر بالصلاة في جميع وقت الليل، ويعلم استثناء أوقات قضاء الضرورات من إغفاء بالنوم ونحوه من ضرورات الإِنسان.
وقيام الليل لقب في اصطلاح القرآن والسنة للصلاة فيه ما عدا صلاتي المغرب والعشاء ورواتبهما.
وأمْر الرسول بقيام الليل أمْر إيجاب وهو خاص به لأن الخطاب موجه إليه وحده مثل السور التي سبقت نزولَ هذه السورة، وأما قيام الليل للمسلمين فهم اقتدوا فيه بالرسول ( ﷺ ) كما سيأتي في قوله تعالى :( إن ربك يعلم أنك تقوم إلى قوله : وطائفة من الذين معك ( ( المزمل : ٢٠ ) الآيات قال الجمهور وذلك قبل أن تفرض الصلوات الخمس في أوقات النهار والليل ولعل حكمة هذا القيام الذي فرض على الرسول ( ﷺ ) في صدر رسالته هو أن تزداد به سريرته زكاء يقوي استعداده لتلقي الوحي حتى لا يحرجه الوحي كما ضغطه عند نزوله كما ورد في حديث البخاري :( فغطني حتى بلغ مني الجَهد ) ثم قال :( اقرأ باسم ربّك ( ( العلق : ١ ) الحديث، ويدل لهذه الحكمة قوله تعالى عقبه :( إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ( ( المزمل : ٥ ).
وقد كان النبي ( ﷺ ) يتحنث في غار حراء قبيل بعثته بإلهام من الله تعالى، فالذي ألهمه ذلك قبل أن يوحي إليه يجدر بأن يأمره به بعد أن أوحى إليه فلا يبقى فترة من الزمن غير متعبد لعبادة، ولهذا نرجح أن قيام الليل فرض عليه قبل فرض الصلوات الخمس عليه وعلى الأمة.
وقد استمر وجوب قيام الليل على رسول الله ( ﷺ ) بعد فرض الصلوات الخمس تعظيماً لشأنه بكثرة الإِقبال على مناجاة ربه في وقت فراغه من تبليغ الوحي وتدبير شؤون المسلمين وهو وقت الليل كما يدل عليه قوله تعالى :( ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، أي زيادة قرب لك. وقد تقدم في سورة ( ( الإسراء : ٧٩ ). فكان هذا حكماً خاصاً بالنبي ( ﷺ ) وقد ذكره الفقهاء في باب خصائص النبي ( ﷺ ) ولم يكن واجباً على غيره ولم تفرض على المسلمين صلاة قبل الصلوات الخمس. وإنما كان المسلمون يقتدون بفعل النبي ( ﷺ ) وهو يقرّهم على ذلك فكانوا يرونه لِزاماً عليهم، وقد أثنى الله عليهم بذلك في آيات كثيرة كقوله تعالى :( تتجافى جنوبُهم عن المضاجع ( ( السجدة : ١٦ )، وسيأتي ذلك عند قوله تعالى :( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ( ( المزمل : ٢٠ ) الآية، قالت عائشة :( إن الله افترض