" صفحة رقم ٢٥٩ "
قيام الليل في أول هذه السورة فقام النبي وأصحابه )، على أنه لا خلاف في رفع فرض القيام عن المسلمين. وتقرر أنه مندوب فيه. واختلف في استمرار وجوبه على النبي ( ﷺ ) ولا طائل وراء الاستدلال على ذلك أو عدمه.
وقوله :( إلاّ قليلاً ( استثناء من ) الليل ( أي إلاّ قليلاً منه، فلم يتعلق إيجاب القيام عليه بأوقات الليل كلها.
و ) نصفه ( بدل من ) قليلاً ( بدلاً مطابقاً وهو تبيين لإِجمال ) قليلاً ( فجعل القليل هنا النصفَ أو أقلَّ منه بقليل.
وفائدة هذا الإِجمال الإِيماء إلى أن الأوْلى أن يكون القيام أكثر من مدة نصف الليل وأن جعله نصف الليل رحمة ورخصة للنبيء ( ﷺ ) ويدل لذلك تعقيبُه بقوله :( أو انقص منه قليلاً ( أي انقص من النصف قليلاً، فيكون زمن قيام الليل أقلّ من نصفه، وهو حينئذٍ قليل فهو رخصة في الرخصة.
وقال ) أو زد عليه ( وهو عود إلى الترغيب في أن تكون مدة القيام أكثر من نصف الليل ولذلك لم يقيد ) أو زد عليه ( بمثل ما قيد به ) أو انقص منه ( لتكون الزيادة على النصف متسعة، وقد ورد في الحديث أن النبي ( ﷺ ) أخذ بالعزيمة فقام حتى تورمت قدماه وقيل له في ذلك :( إن الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) فقال :( أفَلا أكونُ عبداً شكوراً ).
والتخيير المستفاد من حرف ) أو ( منظور فيه إلى تفاوت الليالي بالطول والقصر لأن لذلك ارتباطاً بسعة النهار للعمل ولأخذ الحظ الفائت من النوم.
وبعد فذلك توسيع على النبي ( ﷺ ) لرفع حرج تحديده لزمن القيام فسلك به مسلك التقريب.
وجعل ابن عطية ) الليل ( اسم جنس يصدق على جميع الليالي، وأن المعنى : إلاّ قليلاً من الليالي، وهي الليالي التي يكون فيها عذر يمنعه من قيامها، أي هو استثناء من الليالي باعتبار جزئياتها لا باعتبار الأجزاء، ثم قال :( نصفه ( إلى آخره.
وتخصيص الليل بالصلاة فيه لأنه وقتُ النوم عادة فأُمر الرسول ( ﷺ ) بالقيام فيه زيادة في إشغال أوقاته بالإِقبال على مناجاة الله : ولأن الليل وقت سكون