" صفحة رقم ٢٧٥ "
ففعل الشرط من قوله :( إِنْ كفرتم ( مستعمل في معنى الدوام على الكفر لأن ما يقتضيه الشرط من الاستقبال قرينة على إرادة معنى الدّوام من فعل ) كفرتم ( وإلاّ فإن كفرهم حاصل من قبل نزول هذه الآية.
و ) يوماً ( منصوب على المفعول به ل ) تتقون ). واتقاء اليوم باتقاء ما يقع فيه من عذاب أي على الكفر.
ووصف اليوم بأنه ) يجعل الولدان شيباً ( وصف له باعتبار ما يقع فيه من الأهوال والأحزان، لأنه شاع أن الهم مما يسرع به الشيب فلما أريد وصف همّ ذلك اليوم بالشدة البالغة أقواها أسند إليه يشيب الولدان الذين شعرهم في أول سواده. وهذه مبالغة عجيبة وهي من مبتكرات القرآن فيما أحسب، لأني لم أر هذا المعنى في كلام العرب وأما البيت الذي يذكر في شواهد النحو وهو :
إذن والله نَرميهم بحرب
تُشيب الطفل من قبل المشيب
فلا ثبوت لنسبته إلى من كانوا قبل نزول القرآن ولا يعرف قائله، ونسبه بعض المؤلفين إلى حسان بن ثابت. وقال العيني : لم أجده في ديوانه. وقد أخذ المعنى الصمّة ابن عبد الله القشيري في قوله :
دَعانيَ من نجدٍ فإن سنينه
لَعِبْنَ بنا شِيباً وشيبننا مردا
وهو من شعراء الدولة الأموية وإسناد ) يجعل الولدان شيباً ( إلى اليوم مجاز عقلي بمرتبتين لأن ذلك اليوم زمَن الأهوال التي تشيب لمثلها الأطفال، والأهوال سبب للشيب عرفاً.
والشيب كناية عن هذا الهول فاجتمع في الآية مجازان عقليان وكناية ومبالغة في قوله :( يجعل الولدان شيباً.
وجملة السماء منفطر به ( صفة ثانية.
والبَاء بمعنى ( في ) وهو ارتقاء في وصف اليوم بحدوث الأهوال فيه فإن انفطار السماء أشد هولاً ورعباً مما كني عنه بجملة ) يجعل الولدان شيباً. ( أي السماء عَلى عظمها وسمكها تنفطر لذلك اليوم فما ظنكم بأنفسكم وأمثالكم من الخلائق فيه.


الصفحة التالية
Icon