" صفحة رقم ٢٧٨ "
وفرع على هذا التحريض التعريضيَّ تحريضٌ صريح بقوله :( فمن شاء اتخذ إلى ربّه سبيلاً ( أي من كان يريد أن يتخذ إلى ربّه سبيلاً فقد تهيأ له اتخاذ السبيل إلى الله بهذه التذكرة فلم تَبق للمتغافل معذرة.
والإِتيان بموصول ) من شاء ( من قبيل التحريض لأنه يقتضي أن هذا السبيل موصل إلى الخير فلا حائل يحول بين طالب الخير وبين سلوك هذا السبيل إلاّ مشيئته، لأن قوله :( إن هذه تذكرة ( قرينة على ذلك. ومن هذا القبيل قوله تعالى :( وقل الحقُ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( ( الكهف : ٢٩ ). فليس ذلك إباحةً للإِيمان والكفر ولكنه تحريض على الإِيمان، وما بعده تحذير من الكفر، أي تبعة التفريط في ذلك على المفرط. ولذلك قال ابن عطية : ليس معناه إباحة الأمر وضده بل يتضمن معنى الوعد والوعيد.
وفي تفسير ابن عرفة الذي كان بعض شيوخنا يحملها على أنه مخير في تعيين السبيل فمتعلق التخيير عنده أن يبين سبيلاً ما من السُبل قال : وهو حسن، فيبقى ظاهر الآية على حاله من التّخيير اه.
وقد علمت ممّا قرّرناه أنه لا حاجة إليه وأن ليس في الآية شيء بمعنى التخيير. وفي قوله :( إلى ربّه ( تمثيل لحال طالب الفوز والهُدى بحال السائر إلى ناصر أو كريم قد أريَ السبيلَ الذي يبلِّغه إلى مقصده فلم يبق له ما يعوقه عن سلوكه.
من هنا يبتدىء ما نزل من هذه السورة بالمدينة كما تقدم ذكره في أول السورة.
وصريح هذه الآية ينادي على أن النبي ( ﷺ ) كان يقوم من الليل قبل نزول الآية وأن طائفة من أصحابه كانوا يقومون عملاً بالأمر الذي في أول السورة من قوله :( قم الليل إلاّ قليلاً الآية ( ( المزمل : ٢ )، فتعين أن هذه الآية نزلت للتخفيف عنهم جميعاً لقوله فيها :( فتاب عليكم ( فهي ناسخة للأمر الذي في أول السورة.


الصفحة التالية
Icon