" صفحة رقم ٢٧٩ "
واختلف السلف في وقت نزولها ومكانه وفي نسْبة مقتضاها من مقتضى الآية التي قبلها. والمشهور الموثوق به أن صدر السورة نزل بمكة.
ولا يغتر بما رواه الطبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة مما يوهم أن صدر السورة نزل بالمدينة. ومثلُه ما روي عن النخعي في التزمل بمرط لعائشة.
ولا ينبغي أن يطال القول في أنَّ القيام الذي شُرع في صدر السورة كان قياماً واجباً على النبي ( ﷺ ) خاصة، وأن قيام من قام من المسلمين معه بمكة إنما كان تأسياً به وأقرهم النبي ( ﷺ ) عليه ولكن رأت عائشة أن فرض الصلوات الخمس نسَخ وجوب قيام الليل، وهي تريد أن قيام الليل كان فرضاً على المسلمين، وهو تأويل، كما لا ينبغي أن يختلف في أن أول ما أوجب الله على الأمة هو الصلوات الخمس التي فرضت ليلة المعراج وأنها لم يكن قبلها وجوب صلاة على الأمة ولو كان لجَرى ذكر تعويضه بالصلوات الخمس في حديث المعراج، وأن جوب الخمس على النبي ( ﷺ ) مثل وجوبها على المسلمين. وهذا قول ابن عباس لأنه قال : إن قيام الليل لم ينسخه إلاّ آية :( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ( الآية، ولا أن يختلف في أن فرض الصلوات الخمس لم ينسخ فرض القيام على النبي ( ﷺ ) سوى أنه نسخ استيعاب نصف الليل أو دونه بقليل فنسخه ) فاقرءوا ما تيسر من القرآن ).
وقد بين ذلك حديث ابن عباس ليلةَ بات في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين قال فيه :( نام رسول الله ( ﷺ ) وأهله حتى إذا كان نصف الليل أو قبله بقليل أو بعدَه بقليل استيقظ رسول الله ) ثم وصف وُضوءه وأنه صلى ثلاث عشرة ركعة ثم نام حتى جاءه المنادي لصلاة الصبح. وابن عباس يومئذٍ غلام فيكون ذلك في حدود سنة سبع أو ثمان من الهجرة.
ولم ينقل أن المسلمين كانوا يقومون معه إلاّ حين احتجز موضعاً من المسجد لقيامه في ليالي رمضان فتسامع أصحابه به فجعلوا يَنْسِلون إلى المسجد ليصلّوا بصلاة نبيئهم ( ﷺ ) حتى احتبس عنهم في إحدى الليالي وقال لهم :( لقد خشيت أن تفرض عليكم ) وذلك بالمدينة وعائشة عنده كما تقدم في أول السورة.