" صفحة رقم ٢٨٠ "
وهو صريح في أن القيام الذي قاموه مع الرسول ( ﷺ ) لم يكن فرضاً عليهم وأنهم لم يدوموا عليه وفي أنه ليس شيء من قيام الليل بواجب على عموم المسلمين وإلاّ لما كان لخشية أن يفرض عليهم موقع لأنه لو قُدر أن بعض قيام الليل كان مفروضاً لكان قيامهم مع النبي ( ﷺ ) أداء لذلك المفروض، وقد عضد ذلك حديث ابن عمر ( أن رسول الله ( ﷺ ) قال لحفصة وقد قصَّت عليه رؤيا رآها عبد الله بن عمر أن عبد الله رجل صالح لو كان يقوم في الليل ).
وافتتاح الكلام ب ) إن ربك يعلم أنك تقوم ( يشعر بالثناء عليه لوفائه بحق القيام الذي أُمر به وأنه كان يبسط إليه ويهتم به ثم يقتصر على القدرِ المعين فيه النصففِ أو أنقصَ منه قليلاً أو زائدٍ عليه بل أخذ بالأقصى وذلك ما يقرب من ثُلثي الليل كما هو شأن أولي العزم كما قال النبي ( ﷺ ) في قوله تعالى :( فلما قضى موسى الأجل ( ( القصص : ٢٩ ) أنه قضى أقصَى الأجلين وهو العشر السنون.
وقد جاء في الحديث :( أن النبي ( ﷺ ) كان يقوم من الليل حتى تورمت قدماه ).
وتأكيد الخبر ب ) إِنَّ ( للاهتمام به، وهو كناية عن أنه أرضى ربّه بذلك وتوطئة للتخفيف الذي سيذكر في قوله :( فتاب عليكم ( ليعلم أنه تخفيف رحمة وكرامة ولإفراغ بعض الوقت من النهار للعمل والجهاد.
ولم تزل تكثر بعد الهجرة أشغال النبي ( ﷺ ) بتدبير مصالح المسلمين وحماية المدينة وتجهيز الجيوش ونحو ذلك، فلم تبق في نهاره من السعة ما كان له فيه أيامَ مقامه بمكة، فظهرت حكمة الله في التخفيف عن رسوله ( ﷺ ) من قيام الليل الواجِب منه والرغيبةِ.
وفي حديث علي بن أبي طالب ( أنه سئل عن النبي ( ﷺ ) إذا أوى إلى منزله فقال : كان إذا أوَى إلى منزله جزَّأ دخوله ثلاثة أجزاء : جُزءاً لله، وجزءاً لأهله، وجزءاً لنفسه، ثم جزَّأ جزأه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئاً فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما يصلحهم والأمةَ من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم ).